الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (2) قوله تعالى : بالطيب : هو المفعول الثاني لـ " تتبدلوا " ، وقد تقدم في البقرة قوله تعالى : فبدل الذين ظلموا أن المجرور بالباء هو المتروك والمنصوب هو الحاصل . وتفعل هنا بمعنى استفعل وهو كثير ، نحو : تعجل وتأخر بمعنى استعجل واستأخر . ومن مجيء تبدل بمعنى استبدل قول ذي الرمة :


                                                                                                                                                                                                                                      1526 - فياكرم السكن الذين تحملوا عن الدار والمستخلف المتبدل



                                                                                                                                                                                                                                      أي : المستبدل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إلى أموالكم فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن "إلى " بمعنى "مع " [ ص: 557 ] كقوله : إلى المرافق ، وهذا رأي الكوفيين . والثاني : أنها على بابها ، وهي ومجرورها متعلقة بمحذوف على أنها حال ، أي : مضمومة أو مضافة إلى أموالكم . والثالث : أن يضمن " تأكلوا " معنى "تضموا " كأنه قيل : ولا تضموها إلى أموالكم آكلين . قال الزمخشري : "فإن قلت : قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم ، فلم ورد النهي عن أكلها معها ؟ قلت : لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من الحلال ، وهم مع ذلك يطمعون فيها كان القبح أبلغ والذم ألحق ، ولأنهم كانوا يفعلون كذلك ، فنعى عليهم فعلهم ، وشنع بهم ليكون أزجر لهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إنه كان حوبا في الهاء ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها تعود على الأكل المفهوم من "لا تأكلوا " . والثاني : على التبدل المفهوم من "لا تتبدلوا " . والثالث : عليهما ، ذهابا به مذهب اسم الإشارة نحو : عوان بين ذلك ، ومنه :


                                                                                                                                                                                                                                      1527 - كأنه في الجلد توليع البهق



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ذلك في البقرة ، والأول أولى ، لأنه أقرب مذكور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور : "حوبا " بضم الحاء . والحسن بفتحها ، وبعضهم : "حابا " بالألف ، وهي لغات في المصدر ، والفتح لغة تميم . ونظير الحوب [ ص: 558 ] والحاب : القول والقال ، والطرد والطرد - وهو الإثم - وقيل : المضموم اسم مصدر . والمفتوح مصدر ، وأصله من حوب الإبل وهو زجرها ، فسمي به الإثم ، لأنه يزجر به ، ويطلق على الذنب أيضا ، لأنه يزجر عنه ، ومنه قوله عليه السلام : " إن طلاق أم أيوب لحوب " أي : لذنب عظيم ، يقال : حاب يحوب حوبا وحوبا وحابا وحووبا وحيابة " . قال المخبل السعدي :


                                                                                                                                                                                                                                      1528 - فلا يدخلن الدهر قبرك حوب     فإنك تلقاه عليك حسيب



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1529 - وإن مهاجرين تكنفاه     غداتئذ لقد خطئا وحابا



                                                                                                                                                                                                                                      والحوبة : الحاجة ، ومنه في الدعاء : " إليك أرفع حوبتي "وأوقع الله به الحوبة ، وتحوب فلان : إذا خرج من الحوب ، كتحرج وتأثم ، فالتضعيف فيه للسلب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية