الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (137) قوله تعالى : من قبلكم : يجوز أن يتعلق بـ "خلت " [ ص: 399 ] ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "سنن " ؛ لأنه في الأصل يجوز أن يكون وصفا فلما قدم نصب حالا .

                                                                                                                                                                                                                                      والسنن : جمع "سنة " وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها ، ومنه "سنة الأنبياء " عليهم السلام . قال خالد الهذلي لخاله أبي ذؤيب :


                                                                                                                                                                                                                                      1433 - فلا تجزعن من سنة أنت سرتها فأول راض سنة من يسيرها



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1434 - وإن الألى بالطف من آل هاشم     تأسوا فسنوا للكرام التآسيا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال لبيد :


                                                                                                                                                                                                                                      1435 - من أمة سنت لهم آباؤهم     ولكل قوم سنة وإمامها



                                                                                                                                                                                                                                      وقال المفضل : "السنة الأمة " ، وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      1436 - ما عاين الناس من فضل كفضلكم     ولا رئي مثله في سائر السنن



                                                                                                                                                                                                                                      ولا دليل فيه لاحتماله . وقال الخليل : "سن الشيء بمعنى صوره " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 400 ] ومنه : من حمإ مسنون أي : مصور . وقيل : سن الماء والدرع إذا صبهما ، وقوله : من حمإ مسنون يجوز أن يكون منه ، ولكن نسبة الصب إلى الطين بعيدة . وقيل "مسنون " أي متغير . قال بعض أهل اللغة : "هي فعلة من سن الماء يسنه إذا والى صبه . والسن : صب الماء والعرق ونحوهما ، وأنشد لزهير :


                                                                                                                                                                                                                                      1437 - نعودها الطراد فكل يوم     تسن على سنابكها القرون



                                                                                                                                                                                                                                      أي : يصب عليها العرق . وقيل : سنة : فعلة بمعنى مفعول كالغرفة والأكلة . وقيل : اشتقاقها من سننت النصل أسنه سنا إذا حددته ، والمعنى أن الطريقة الحسنة معتنى بها كما يعتنى بالنصل ونحوه . وقيل : من سن الإبل : إذا أحسن رعيها . والمعنى : أن صاحب السنة يقوم على أصحابه كما يقوم الراعي على إبله ، وقد مضى من ذلك جملة صالحة في البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فسيروا جملة معطوفة على ما قبلها . والتسبيب في هذه الألفاظ ظاهر أي : سبب الأمر بالسير لينظروا نظر اعتبار خلو من قبلكم من الأمم وطرائقهم . وقال أبو البقاء : " ودخلت الفاء في "فسيروا " لأن المعنى على الشرط أي : إن شككتم فسيروا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كيف كان عاقبة "كيف " خبر مقدم واجب التقديم ؛ لتضمنه معنى الاستفهام وهو معلق لـ "انظروا " قبله ، فالجملة في محل نصب بعد إسقاط [ ص: 401 ] الخافض إذ الأصل : انظروا في كذا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية