الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (6) قوله تعالى : في الأرحام : يجوز أن يتعلق بيصوركم وهو الظاهر ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول "يصوركم " أي : يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ طاووس : "تصوركم " فعلا ماضيا ومعناه صوركم لنفسه ولتعبده ، وتفعل يأتي بمعنى فعل كقولهم : "تأثلث مالا وأثلته " أي جعلته أثلة أي أصلا ، ونحوه : ولى وتولى . والتصوير : تفعيل من صاره يصوره أي : أماله وثناه ، ومعنى صوره أي : جعل له صورة . والصورة : الهيئة يكون عليها الشيء من تأليف خاص وتركيب منضبط .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 24 ] قوله : كيف يشاء في هذه الآية أوجه ، أظهرها : أن "كيف " للجزاء ، وقد جوزي بها في لسانهم في قولهم : "كيف تصنع أصنع ، وكيف تكون أكون " إلا أنه لا يجزم بها ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها ، وكذلك مفعول "يشاء " لما تقدم أنه لا يذكر إلا لغرابة ، والتقدير : كيف يشاء تصويركم يصوركم ، فحذف "تصويركم " لأنه مفعول يشاء ، و "يصوركم " لدلالة "يصوركم " الأول عليه ، ونظيره قولهم : "أنت ظالم إن فعلت " تقديره : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم . وعند من يجيز تقديم الجزاء في الشرط الصريح يجعل "يصوركم " المتقدم هو الجزاء .

                                                                                                                                                                                                                                      و "كيف " منصوب على الحال بالفعل بعده ، والمعنى : على أي حال شاء أن يصوركم صوركم ، وتقدم الكلام على ذلك في قوله : كيف تكفرون . ولا جائز أن تكون "كيف " معمولة ليصوركم لأن لها صدر الكلام ، وما له صدر الكلام لا يعمل فيه إلا أحد شيئين : إما حرف الجر نحو : بمن تمر ؟ وإما المضاف نحو : "غلام من عندك ؟ " الثاني : أن تكون "كيف " ظرفا ليشاء ، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير اسم الله تعالى تقديره : يصوركم على مشيئة أي مريدا . الثالث : كذلك إلا أنه حال من مفعول "يصوركم " تقديره : يصوركم متقلبين على مشيئته . ذكر الوجهين أبو البقاء ، ولما ذكر غيره كونها حالا من ضمير اسم الله قدرها بقوله : يصوركم في الأرحام قادرا على تصويركم مالكا ذلك . الرابع : أن تكون الجملة في موضع المصدر ، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة وكما يشاء ، هكذا قال الحوفي . وفي قوله : "الجملة في موضع المصدر " تسامح لأن الجمل لا تقوم مقام المصادر ، ومراده أن "كيف " دالة على ذلك ، [ ص: 25 ] ولكن لما كانت في ضمن الجملة نسب ذلك إلى الجملة . وقوله هو الذي يصوركم : تحتمل هذه الجملة أن تكون مستأنفة سيقت لمجرد الإخبار بذلك ، وأن تكون في محل رفع خبرا ثانيا لإن .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية