الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (16) قوله تعالى : واللذان : الكلام عليه كالكلام على "اللاتي " إلا أن في كلام أبي البقاء ما يوهم جواز الاشتغال فيه ، فإنه قال : "الكلام في " اللذان "كالكلام في " اللاتي " ، إلا أن من أجاز النصب يصح أن يقدر فعلا من جنس المذكور تقديره : آذوا اللذين ، ولا يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها ها هنا ولو عري من الضمير ؛ لأن الفاء هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط ، وتلك تقطع ما بعدها عما قبلها " [ ص: 621 ] فقوله : "من أجاز النصب " يحتمل من أجاز النصب المتقدم في "اللاتي " بإضمار فعل لا على سبيل الاشتغال كما قدره هو بنحو "اقصدوا " ، ويحتمل من أجاز النصب على الاشتغال من حيث الجملة ، إلا أن هذا بعيد لأن الآيتين من واد واحد فلا يظن به أنه يمنع في إحداهما ويجيز في الأخرى ، ولا ينفع كون الآية الأولى فيها الفعل الذي يفسر متعد بحرف جر ، والفعل الذي في هذه الآية متعد بنفسه فيكون أقوى إذ لا أثر لذلك في باب الاشتغال . والضمير المنصوب في "يأتيانها " للفاحشة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبد الله : "يأتين بالفاحشة " أي يجئن بها ، ومعنى قراءة الجمهور "يغشينها ويخالطنها " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور : "واللذان " بتخفيف النون ، وقرأ ابن كثير : "واللذان " هنا ، و "اللذين " في حم السجدة بتشديد النون . ووجهها جعل إحدى النونين عوضا من الياء المحذوفة التي كان ينبغي أن تبقى ، وذلك أن "الذي " مثل "القاضي " ، و "القاضي " تثبت ياؤه في التثنية ، فكان حق ياء الذي والتي أن تثبت في التثنية ولكنهم حذفوها : إما لأن هذه تثنية على غير القياس ، لأن المبهمات لا تثنى حقيقة ، إذ لا يثنى إلا ما ينكر ، والمبهمات لا تنكر ، فجعلوا الحذف منبهة على هذا ، وإما لطول الكلام بالصلة . وزعم ابن عصفور أن تشديد النون لا يجوز إلا مع الألف كهذه الآية ، ولا يجوز مع الياء في الجر والنصب ، وقراءة ابن كثير في حم السجدة : أرنا اللذين أضلانا حجة عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 622 ] وقرئ : "اللذأن " بهمزة وتشديد النون ، ووجهها أنه لما شدد النون التقى ساكنان ففر من ذلك بإبدال الألف همزة ، وقد تقدم تحقيق ذلك في الفاتحة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبد الله : "والذين يفعلونه منكم " ، وهذه قراءة مشكلة لأنها بصيغة الجمع ، وبعدها ضمير تثنية ، وقد يتكلف لها تخريج : هو أن "الذين " لما كان شاملا لصنفي الذكور والإناث عاد الضمير عليه مثنى اعتبارا بما اندرج تحته ، وهذا كما عاد ضمير الجمع على المثنى الشامل لأفراد كثيرة مندرجة تحته كقوله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، هذان خصمان اختصموا كذا قال الشيخ وفيه نظر ، فإن الفرق ثابت ؛ وذلك لأن "الطائفة " اسم لجماعة وكذلك "خصم " ؛ لأنه في الأصل مصدر فأطلق على الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل فآذوهما : فآذيوهما ، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت الياء التي هي لام ، وضم ما قبل الواو لتصح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية