الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( صر ) الصاد والراء أصول : الأول قولهم صر الدراهم يصرها صرا . وتلك الخرقة صرة . والذي تعرفه العرب الصرار ، وهي خرقة تشد على أطباء الناقة لئلا يرضعها فصيلها . يقال : صرها صرا . ومن الباب : الإصرار : العزم على الشيء . [ ص: 283 ] وإنما جعلناه من قياسه لأن العزم على الشيء والإجماع عليه واحد ، وكذلك الإصرار : الثبات على الشيء .

                                                          ومن الباب : هذه يمين صري أي جد ، إنا ثابت عليها مجمع .

                                                          ومن الباب : الصرة ، يقال للجماعة صرة . قال امرؤ القيس :


                                                          فألحقنا بالهاديات ودونه جواحرها في صرة لم تزيل

                                                          ومن الباب : حافر مصرور ، أي منقبض . ومنه الصرصور ، وهو القطيع الضخم من الإبل .

                                                          وأما الثاني - وهو من السمو والارتفاع - فقولهم : صر الحمار أذنه ، إذا أقامها . وأصر إذا لم تذكر الأذن ، وإن ذكرت الأذن قلت : أصر بأذنه . وأظنه نادرا . والأصل في هذا : الصرار ، وهي أماكن مرتفعة لا يكاد الماء يعلوها . فأما صرار فهو اسم علم ، وهو جبل . قال :


                                                          إن الفرزدق لن يزايل لؤمه     حتى يزول عن الطريق صرار

                                                          وأما الثالث : فالبرد والحر ، وهو الصر . يقال أصاب النبت صر ، إذا أصابه برد يضر به . والصر : صر الريح الباردة . وربما جعلوا في هذا الموضع الحر . قال قوم : الصارة : شدة الحر حر الشمس . يقال : قطع الحمار صارته . إذا شرب شربا [ ص: 284 ] كسر عطشه . والصارة : العطش ، وجمعها صوار . والصريرة : العطش ، والجمع : صرائر . قال :


                                                          وانصاعت الحقب لم يقصع صرائرها

                                                          وذكر أبو عبيد : الصارة العطش ، والجمع صرائر . وهو غلط ، والوجه ما ذكرنا .

                                                          وأما الرابع ، فالصوت . من ذلك الصرة : شدة الصياح . صر الجندب صريرا ، وصرصر الأخطب صرصرة . والصراري : الملاح ، ويمكن أن يكون لرفعه صوته .

                                                          ومما شذ عن هذه الأصول كلمتان ، ولعل لهما قياسا قد خفي علينا مكانه ، فالأولى : الصارة ، وهي الحاجة . يقال : لي قبل فلان صارة ، وجمعها صوار ، أي حاجة . والكلمة الأخرى الصرورة ، وهو الذي لم يحجج ، والذي لم يتزوج . ويقال الصرورة : الذي يدع النكاح متبتلا . وجاء في الحديث : لا صرورة في الإسلام .

                                                          قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد : " الأصل في الصرورة أن الرجل في الجاهلية كان إذا أحدث حدثا فلجأ إلى الكعبة لم يهج ، فكان إذا لقيه ولي الدم بالحرم قيل له : هو صرورة فلا تهجه . فكثر ذلك في كلامهم حتى جعلوا المتعبد الذي يجتنب النساء ، وطيب الطعام صرورة ، وصروريا . وذلك عنى النابغة بقوله :

                                                          [ ص: 285 ]

                                                          لو أنها عرضت لأشمط راهب     عبد الإله صرورة متعبد

                                                          أي منقبض عن النساء والطيب . فلما جاء الله تعالى بالإسلام وأوجب إقامة الحدود بمكة وغيرها سمي الذي لم يحج صرورة وصروريا ، خلافا لأمر الجاهلية . كأنهم جعلوا أن تركه الحج في الإسلام كترك المتأله إتيان النساء والتنعم في الجاهلية " .

                                                          وهذا الذي ذكرناه في معنى الصرورة يحتمل أنه من الصرار ، وهو الخرقة التي تشد على أطباء الناقة لئلا يرضعها فصيلها . والله أعلم بالصواب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية