الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (28) قوله : هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء : " من شركاء " مبتدأ ، و " من " مزيدة فيه لوجود شرطي الزيادة . وفي خبره وجهان ، أحدهما : الجار الأول وهو " لكم " و من ما ملكت : يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " شركاء " لأنه في الأصل نعت نكرة ، قدم عليها . والعامل فيه العامل في هذا الجار الواقع خبرا . والخبر مقدر بعد المبتدأ ، و في ما رزقناكم متعلق بشركاء . [وما في " مما " بمعنى النوع ] تقدير ذلك كله : هل شركاء فيما رزقناكم كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم مستقرون لكم . فكائنون هو الوصف المتعلق به " مما ملكت " ولما تقدم صار حالا ، و " مستقرون " هو الخبر الذي تعلق به " لكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن الخبر " مما ملكت " و " لكم " متعلق بما تعلق به الخبر ، أو بمحذوف على أنه حال من " شركاء " أو بنفس " شركاء " كقولك : " لك في الدنيا محب " فـ " لك " متعلق بـ محب . و " في الدنيا " هو الخبر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فأنتم فيه سواء هذه الجملة جواب الاستفهام الذي بمعنى النفي ، و " فيه " متعلق بـ " سواء " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " تخافونهم " فيه وجهان ، أحدهما : أنها خبر ثان لـ أنتم . تقديره : [ ص: 42 ] فأنتم مستوون معهم فيما رزقناكم ، خائفوهم كخوف بعضكم بعضا أيها السادة . والمراد نفي الأشياء الثلاثة أعني الشركة والاستواء مع العبيد وخوفهم إياهم . وليس المراد ثبوت الشركة ونفي الاستواء والخوف ، كما هو أحد الوجهين في قولك : " ما تأتينا فتحدثنا " بمعنى : ما تأتينا محدثا بل تأتينا ولا تحدثنا ، بل المراد نفي الجميع كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : فأنتم فيه سواء الجملة في موضع نصب على جواب الاستفهام أي : " هل لكم فتستووا " انتهى . وفيه نظر ; كيف جعل جملة اسمية حالة محل جملة فعلية ، ويحكم على موضع الاسمية بالنصب بإضمار ناصب ؟ هذا ما لا يجوز ولو أنه فسر المعنى وقال : إن الفعل لو حل بعد الفاء لكان منصوبا بإضمار " أن " لكان صحيحا . ولا بد أن يبين أيضا أن النصب على المعنى الذي قدمته من نفي الأشياء الثلاثة .

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني : أن " تخافونهم " في محل نصب على الحال من ضمير الفاعل في " سواء " أي : فتساووا خائفا بعضكم بعضا مشاركته له في المال . أي : إذا لم ترضوا أن يشارككم عبيدكم في المال فكيف تشركون بالله من هو مصنوع له ؟ قاله أبو البقاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الرازي معنى حسنا ، وهو : " أن بين المثل والممثل به مشابهة ومخالفة .

                                                                                                                                                                                                                                      فالمشابهة معلومة ، والمخالفة من وجوه : قوله : " من أنفسكم " أي : من نسلكم مع حقارة الأنفس ونقصها وعجزها ، وقاس نفسه عليكم مع جلالتها وعظمتها وقدرتها . قوله : من ما ملكت أيمانكم أي : عبيدكم والملك طارئ [ ص: 43 ] قابل للنقل بالبيع وللزوال بالعتق ، ومملوكه تعالى لا خروج له عن الملك ، فإذا لم يجز أن يشرككم مملوككم ، وهو مثلكم إذا تحرر من جميع الوجوه ، ومثلكم في الآدمية حالة الرق فكيف يشرك بالله تعالى مملوكه من جميع الوجوه ، المباين له بالكلية ؟ وقوله : " في ما رزقناكم " يعني أنه ليس لكم في الحقيقة ، إنما هو لله تعالى ومن رزقه حقيقة . فإذا لم يجز أن يشرككم فيما هو لكم ، من حيث الاسم ، فكيف يكون له تعالى شريك فيما له من جهة الحقيقة ؟ " انتهى وإنما ذكرت هذا المعنى مبسوطا لأنه مبين لما ذكرته من وجوه الإعراب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : " كخيفتكم " أي : خيفة مثل خيفتكم . والعامة على نصب " أنفسكم " لأن المصدر مضاف لفاعله . وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضافة المصدر لمفعوله . واستقبح بعضهم هذا إذا وجد الفاعل . وقال بعضهم : ليس بقبيح بل يجوز إضافته إلى كل منهما إذا وجدا . وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      3649 - أفنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القواريز أفواه الأباريق



                                                                                                                                                                                                                                      بنصب " الأفواه " ورفعها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " كذلك نفصل " أي : مثل ذلك التفصيل البين نفصل . وقرأ [ ص: 44 ] أبو عمرو في رواية " يفصل " بياء الغيبة ردا على قوله : " ضرب لكم " . والباقون بالتكلم ردا على قوله : " رزقناكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية