الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (44) قوله : أأعجمي : قرأ الأخوان وأبو بكر بتحقيق الهمزة ، وهشام بإسقاط الأولى . والباقون بتسهيل الثانية بين بين . وأما المد فقد عرف حكمه من قوله : " أأنذرتهم " في أول هذا الموضوع . فمن استفهم [ ص: 531 ] قال : معناه أكتاب أعجمي ورسول عربي . وقيل : ومرسل إليه عربي . وقيل : معناه أبعضه أعجمي وبعضه عربي . ومن لم يثبت همزة استفهام فيحتمل أنه حذفها لفظا وأرادها معنى . وفيه توافق القراءتين . إلا أن ذلك لا يجوز عند الجمهور ، إلا إن كان في الكلام " أم " نحو :


                                                                                                                                                                                                                                      3960 - ... ... ... ... بسبع رمين الجمر أم بثمان



                                                                                                                                                                                                                                      فإن لم تكن " أم " لم يجز إلا عند الأخفش . وتقدم ما فيه ، ويحتمل أن يكون جعله خبرا محضا ويكون معناه : هلا فصلت آياته فكان بعضها أعجميا تفهمه العجم ، وبعضها عربيا يفهمه العرب .

                                                                                                                                                                                                                                      والأعجمي من لا يفصح ، وإن كان من العرب ، وهو منسوب إلى صفته كأحمري ودواري ، فالياء فيه للمبالغة في الوصف وليس النسب منه حقيقيا . وقال الرازي في لوامحه : " فهو كياء كرسي وبختي " . وفرق الشيخ بينهما فقال : " وليست كياء كرسي فإن كرسيا وبختيا بنيت الكلمة عليها بخلاف ياء " أعجمي " فإنهم يقولون : رجل أعجم وأعجمي " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عمرو بن ميمون " أعجمي " بفتح العين وهو منسوب إلى العجم ، [ ص: 532 ] والياء فيه للنسب حقيقة يقال : رجل أعجمي وإن كان فصيحا . وقد تقدم الكلام في الفرق بينهما في سورة الشعراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رفع " أعجمي " ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره ، أعجمي وعربي يستويان . والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هو ، أي : القرآن أعجمي والمرسل به عربي . والثالث : أنه فاعل فعل مضمر أي : أيستوي أعجمي وعربي . وهذا ضعيف ; إذ لا يحذف الفعل إلا في مواضع بينتها غير مرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : والذين لا يؤمنون فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون مبتدأ ، و " في آذانهم " خبره و " وقر " فاعل ، أو " في آذانهم " خبر مقدم " ووقر " مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر الأول . الثاني : أن وقرا خبر مبتدأ مضمر . والجملة خبر الأول والتقدير : والذين لا يؤمنون هو وقر في آذانهم لما أخبر عنه بأنه هدى لأولئك ، أخبر عنه أنه وقر في آذان هؤلاء وعمى عليهم . قال معناه الزمخشري . ولا حاجة إلى الإضمار مع تمام الكلام بدونه . الثالث : أن يكون " الذين لا يؤمنون " عطفا على " الذين آمنوا " ، و " وقر " عطف على " هدى " وهذا من باب العطف على معمولي عاملين . وفيه مذاهب تقدم تحريرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " عمى " العامة على فتح الميم المنونة وهو مصدر لـ عمي يعمى نحو : صدي يصدى صدى ، وهوي يهوى هوى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وجماعة " عم " بكسرها منونة اسما منقوصا وصف بذلك [ ص: 533 ] مجازا . وقرأ عمرو بن دينار ورويت عن ابن عباس " عمي " بكسر الميم وفتح الياء فعلا ماضيا . وفي الضمير وجهان أظهرهما : أنه للقرآن . والثاني : أنه للوقر والمعنى يأباه ، و " في آذانهم " - إن لم تجعله خبرا - متعلق بمحذوف على أنه حال منه ; لأنه صفة في الأصل ولا يتعلق به ، لأنه مصدر ، فلا يتقدم معموله عليه وقوله : وهو عليهم عمى كذلك في قراءة العامة ، وأما في القراءتين المتقدمتين فتتعلق " على " بما بعده ; إذ ليس بمصدر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية