الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويثبت بإقرار مرة ، [ ص: 256 ] إلا أن يرجع مطلقا ، [ ص: 257 ] أو يهرب ، وإن في الحد ، [ ص: 258 ] وبالبينة ، فلا يسقط بشهادة أربع نسوة ببكارتها

التالي السابق


( وثبت ) الزنا على المكلف ( بإقرار ) منه به على نفسه . رجلا كان أو امرأة ( مرة ) واحدة اتفاقا فلا يشترط تكراره أربع مرات ، واشترطه أبو حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهما ابن عرفة نصوص المذهب في المدونة وغيرها واضحة يحد المقر بالزنا طوعا ولو مرة واحدة . اللخمي في الموازية قيل للإمام مالك " رضي الله عنه " الإمام إذا اعترف رجل عنده بالزنا أويعرض عنه أربع مرات قبل أن يقيم عليه الحد ، قال ما أعرفه إذا اعترف مرة واحدة وأقام على ذلك حد . ا هـ . ويدل ما في الصحيحين من حديث العسيف من قوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 256 ] { اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، فغدا عليها فاعترفت فرجمها باعترافها مرة } . وأجابوا عن { معاودة ماعز أربع مرات بأن النبي صلى الله عليه وسلم اتهمه في عقله وأرسل لقومه وسألهم عن عقله مرتين فأخبروه بصحته فأمر برجمه } . وفي بعض طرق حديثه أنه سأله ، وفي بعضها ثلاثا ، وقال له صلى الله عليه وسلم { أبك جنون قال لا ، قال فهل أحصنت قال نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه } ، وفي حديث الغامدية أنها أقرت مرة ويحد المقر بالزنا في كل حال .

( إلا أن يرجع ) المقر بالزنا عن إقراره فيقبل رجوعه ولا يحد رجوعا ( مطلقا ) عن تقييده بكونه لشبهة مثال رجوعه لشبهة قوله وطئت حليلتي حائضا فظننت أنه زنا فاعترفت به فلا يحد اتفاقا ، ورجوعه لغير شبهة تكذيبه نفسه بلا اعتذار ، وسواء رجع في الحد أو قبله ، ودخل فيه إنكاره إقراره بعد شهادة البينة به عليه فلا يحد عند ابن القاسم . ابن الحاجب إن رجع إلى ما يعذر به قبل ، وفي إكذاب نفسه قولان لابن القاسم وأشهب في التوضيح ، يعني لو أكذب نفسه ولم يبد عذرا فقال ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم [ ص: 257 ] لا يحد ، ورأوا ذلك شبهة لاحتمال صدقه ثانيا ، وقال أشهب لا يعذر إلا بأمر يعذر به ، وروي عن الإمام مالك " رضي الله عنه " ، وبه قال عبد الملك . وفي الموازية إن رجع عن إقراره لوجه وسبب لم يختلف أصحاب الإمام مالك " رضي الله عنه " في قبول رجوعه . الباجي إن رجع لغير شبهة ، فروى ابن وهب ومطرف أن يقال وقاله ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم ، وعن الإمام مالك " رضي الله عنه " لا يقبل منه .

( أو ) إلا أن ( يهرب ) بفتح فسكون فضم ، أي المقر بالزنا قبل الشروع في حده ، بل ( وإن ) هرب ( في ) أثناء ( الحد ) فيسقط الحد عنه ، سواء كان في أوائل الحد أو في نصفه أو بعد أكثره { لقوله صلى الله عليه وسلم في ماعز لما أخبروه بأنه لما أذلقته الحجارة هرب وقال ردوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوه بالحرة ورجموه إلى أن مات هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه } .

عب لو حذف وإن لطابق ما تجب به الفتوى ، أو الواو للحال كما في د وإن زائدة ، إذ هروبه قبل الحد لا يسقطه فيؤتى ويقام عليه الحد كما في الشارح . وفي " د " يؤتى ويستخبر عنه بخلاف هروبه أثناءه فيسقطه لأنه بعد إذاقة العذاب دال على الرجوع ونحوه للخرشي .

البناني التفرقة المذكورة للشارح في شروحه الثلاثة ، وتبعه عليها أحمد وعج وتلامذته ، وفيها نظر والصواب أن ما في المختصر مبالغة على حقيقتها ، وقرره ابن مرزوق على ظاهره . المسناوي وهو الظاهر ، وإنما بالغ على الهروب بعد إذاقة العذاب لأنه أدل على أنه للألم من الهروب قبل ذلك . طفي أو يهرب وإن في الحد . الشارح يكف عنه إذا هرب في أثناء الحد ، وقد { هرب ماعز لما رجم فاتبعوه فقال ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يردوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه } ، ثم ذكر الخلاف في الراجع في أثناء الحد فروي أنه إذا أقيم عليه أكثر الحد كمل عليه ، وروي أنه يقبل وهو قول ابن القاسم ، وعليه جماعة العلماء ، وإليه أشار بقوله وإن في الحد ، وعلى هذا فالمبالغة راجعة إلى قوله إلا أن يرجع لا إلى قوله أو يهرب لأن الهروب المقبول إنما يكون في أثناء الحد كما ورد ، ا هـ . [ ص: 258 ] واستمر في شروحه الثلاثة على أن الهروب إنما يفيد في أثناء الحد ، وتبعه عج قائلا لو حذف المصنف وإن لطابق ما تجب به الفتوى إذ هروبه قبل الحد لا يسقطه عنه ، قاله أحمد عن بعض شيوخه . طفي لم أر هذا التفصيل في الهروب لغير الشارح في شروحه الثلاثة ومن تبعه ، ولم يعرج عليه تت في كبيره ، بل صرح بإبقاء كلام المصنف على ظاهره ، فإنه قال بعد قول البساطي الهروب قبل الحد من الرجوع إلا أنه نوع من الرجوع خفي ، فلذا تيه على ما نصه تأمل جوابه ، فإنه لا تحسن معه المبالغة في الهرب في الحد ، وإنما المبالغة فيما يخفى وهي على جوابه مقلوبة ، وقد يقال الهروب قبل الحد أظهر في الرجوع من الهروب في الحد من الألم ، فلذا بالغ المصنف عليه . وأجاب الشارح بأن المبالغة راجعة إلى قوله إلا أن يرجع لا إلى قوله أو يهرب ا هـ ، ثم قال ولم أر في المدونة ولا ابن عرفة ولا في التوضيح ولا ابن عبد السلام حكم الهارب إلا أن المصنف حافظ .

( و ) يثبت الزنا على المكلف ( بالبينة ) وتقدم في الشهادات أن شرطها كونها أربعة برؤيا اتحدت إلخ ، وإذا شهدت البينة على امرأة بالزنا وادعت البكارة أو الرتق وشهد بذلك أربع نسوة ( فلا يسقط ) الحد عنها ( ب ) سبب ( شهادة أربع نسوة ب ) وجود ( بكارتها ) أو رتقها ، هذا مذهب المدونة . البساطي لأن عذرتها قد تكون لداخل فلا تمنع من تغييب الحشفة دونها ، ولو قام على بقاء العذرة أربعة رجال لسقط الحد ، كما يفهم من كلام الشارح ، وللرجال النظر لذلك كما يفيده كلام المواق عن ابن القاسم قاله عب والخرشي .

البناني فيه نظر لأنه إن علل عدم السقوط بأربع نسوة بعدم منافاة شهادتهن شهادة الرجال لاحتمال كونها غوراء البكارة قيل عليه ، أي فرق بين شهادة أربع نسوة ببكارتها وأربعة رجال بها ، وإن علل بضعف شهادتهن ، فلا تقاوم شهادة الرجال ، قيل عليه شهادتهن شبهة والحدود تدرأ بالشبهات على أن ما ذكره الشارح نقله عن اللخمي ، وكلامه في هذه المسألة مقابل لمذهب المدونة كما في التوضيح وابن عرفة ، والحد [ ص: 259 ] عنده يسقط بشهادة أربعة رجال وبشهادة أربع نسوة ومذهب المدونة عدم سقوطه . والله أعلم .




الخدمات العلمية