الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أوصى لعبده بثلثه ، عتق ، إن حمله الثلث ، [ ص: 525 ] وأخذ باقيه ، وإلا ، قوم في ماله

التالي السابق


( وإن أوصى ) الحر المميز المالك ( لعبده بثلث ) مال ( هـ ) أي الموصي ( عتق ) العبد الموصى له كله ( إن حمله ) أي الثلث الموصى به العبد بأن ترك السيد مائتين ، وقيمة العبد [ ص: 525 ] مائة ( و ) إن زاد الثلث على قيمة العبد عتق جميعه و ( أخذ ) العبد ( باقيه ) أي الثلث بأن كانت قيمته مائة وترك الموصي ثلاثمائة فالثلث مائة وثلاثة وثلاثون وثلث فيعتق العبد ، ويأخذ ثلاثة وثلاثين وثلثا ( وإلا ) أي وإن لم يحمله الثلث ، وله مال ( قوم ) بضم فكسر مثقلا لعبد الموصى له ( في ماله ) أي العبد بأن ترك السيد مائة وقيمة العبد مائة وله مائة فتركة السيد مائتان ثلثها ستة وستون وثلثان لا يحمل قيمة العبد لزيادتها عليه بثلاثة وثلاثين وثلث وهي ثلث قيمة العبد فتؤخذ من مائة العبد لورثة سيده ويعتق جميعه .

فيها للإمام مالك " رضي الله عنه " من أوصى لعبده بثلث ماله ، وقيمته الثلث عتق جميعه ، وما فضل من الثلث كان للعبد ، وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمله . ابن القاسم إن كان للعبد مال استتم منه عتقه ، وروى ابن وهب إن أوصى له بثلث ماله أو سدسه جعل ذلك في رقبة العبد ، فإن كانت قيمته الثلث أو السدس خرج حرا الإمام مالك " رضي الله عنه " إن لم يترك غير العبد ، وأوصى له بثلث ماله وبيد العبد ألف دينار فلا يعتق إلا ثلثه ، ويوقف المال بيده ابن عرفة ثالثها للصقلي وغيره عن المغيرة لا يعتق إلا ثلثه فقط لأن ما ملكه من ثلث نفسه لا يملك رده فهو كمن ورث بعض من يعتق عليه فلا يقوم عليه باقيه .

قلت ففي عتقه فيما يجب له من الثلث فإن قصر عن قيمته استتم بما بيده من ماله ثلاثة ، هذا وروى ابن وهب لا يستتم به ، وثالثها للمغيرة لا يعتق غير ثلثه مطلقا . طفي في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم إذا أوصى لجارية بثلثه عتقت في ثلثه وقومت فيه لأنه حين عتق عليها من نفسها شقص أكمل عليها ما بقي من عتق نفسها بمنزلة من أعتق شركا له في رأس فكان يقوم عليه فالذي يعتق عليه شقصه من نفسه أحرى أن يقوم عليه ما بقي من نفسه فيما يملك هذا قول الإمام مالك " رضي الله عنه " . ابن القاسم لو كان فيما أوصى لها به مالا يتم به عتقها ، وكان لها مال قبل ذلك عتقت فيه وأخذ منها . ابن رشد إذا أوصى لها بثلثه فقيل لا يعتق منها إلا الثلث وهو قول ابن وهب من رأيه ، وقيل يعتق منها الثلث ويقوم بقيتها على نفسها فيما بقي من الثلث ، فإن [ ص: 526 ] لم يحملها الثلث رق ما بقي منها ولا يقوم عليها في مالها إن كان لها مال من غير الثلث ، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في المدونة ، ووجه هذا القول أنه إذا أوصى لها بثلث ماله فقد قصد إلى حريتها فيه ، وكأنه أوصى أن تعتق وأن تعطى بقيته إن فضل عن رقبتها ، واختار سحنون فقال : إنه أعدل الأقوال .

ووجه قول ابن وهب أنه إذا أوصى لها بثلث ماله فقد قصد إلى حرية ثلثها ، وأن تعطى بقية ثلث ماله فوجب أن يعتق ثلثها ، وأن تعطى بقية ثلث ماله ، ولا تعتق فيه ، ولا في مالها إن كان لها سواء ; لأنه هو العتق لثلثها إذا أوصى لها به ، وهو يعلم أنه لا يصح لها ملكه ، فكان بمنزلة إيصائه بعتق ثلثها وإعطائها بقية ثلث ماله . ووجه قول ابن القاسم وروايته عن الإمام مالك " رضي الله عنه " ما ذكره فيها من أنه إذا عتق عليها بعضها وجب أن يقوم عليها بقيتها فيما بقي من الثلث وفي سائر مالها إن كان لها مال بمنزلة من أعتق شركا في عبد أنه يقوم عليه بقيته في ماله ا هـ فقد ظهر من هذا أن التقويم في ماله ليس معناه ضمه لمال الموصي وصيرورته من جملته حتى يعتق من ثلثه كما ذكروه في غير هذا المحل ، وإنما المراد أنه يقوم على العبد بقية نفسه في ماله ، فإن كان الثلث فضل فالثلث من جملة ماله بالوصية فيقوم على نفسه فيه ويأخذ باقيه ، وإن قصر الثلث وجب عليه أن يدفع للورثة من ماله ما بقي من قيمة رقبته ، كما قال في الرواية ، وهذا ينادي بأن ماله يكون له ولا وجه لانتزاعه منه بعد التقويم ، فلا تسلط للوارث عليه ، بل هو ملك للعبد يقر بيده ، وفي رسم أسلم من سماع عيسى مثل ما في الرسم المذكور ، ونصه ابن القاسم مالك رضي الله تعالى عنهما إذا أوصى لعبده بثلث ماله عتق جميعه في ثلث الميت إن حمله .

ابن القاسم : إن لم يحمله وللعبد مال عتق على نفسه في ماله بقدر ما في يده إن كان فيها ما يستتم به عتقه عتق كله ، وإلا فبقدر ذلك فهو في نفسه مع الورثة كالشركاء في العبد يعتق أحدهم نصيبه فيعتق عليه جميعه إن كان له ، وإلا فبقدر ذلك فكذلك العبد في نفسه [ ص: 527 ] ; لأنه حين أوصى له بثلث ماله فقد أوصى له بثلث رقبته ; لأنها من ماله ، فلما ملك العبد ثلث رقبته عتق واستتم عتق بقيته عليه ا هـ ونقل نص المدونة المتقدم ثم قال : وإنما أطلنا بذكر النقول المتداخلة إيضاحا للمسألة ، فإني لم أر من أوضحها من شراحه ، والله الموفق .




الخدمات العلمية