الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 ] وإن ذهب والعين قائمة ، فإن استطيع كذلك ، وإلا فالعقل : كأن شلت [ ص: 52 ] يده بضربة

التالي السابق


( وإن ) ضربه بعصا أو لطمه عمدا عدوانا ف ( ذهب ) بصره ( والعين قائمة ) لم تنخسف من المجني عليه ( فإن استطيع ) بضم الفوقية أن يفعل بالجاني فعل ( كذلك ) أي فعل الجاني في إذهاب بصره مع قيام عينه فعل به ، فقد رفع لعثمان بن عفان أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه رجل لطم رجلا فأذهب بصره وعينه قائمة فحكم بالقصاص منه فأعيا عليه وعلى الناس حتى أتى علي رضي الله تعالى عنه فأمر بجعل كرسف على عين المصيب واستقبال الشمس بها فذهب بصره وعينه قائمة ( وإلا ) أي وإن لم يستطع فعل ذلك بالجاني ( فالعقل ) متعين عليه في ماله .

وشبه في الفعل المذهب للمعنى إن أمكن ولزوم العقل إن لم يمكن فقال ( كأن شلت ) [ ص: 52 ] بضم الشين المعجمة أي بطلت ( يده ) أي المجني عليه ( ب ) سبب ( ضربة ) لا قصاص فيها من الجاني عمدا عدوانا ، فإن استطيع أن يفعل به ما يشل يده فعل وإلا فالعقل في ماله . طفي عج أي ذهبت منفعتها بما لا قصاص فيه كلطمة فافترقت هذه مما قبلها . ا هـ . وفرق ابن عبد السلام بينهما بفرق آخر فقال في شرح قول ابن الحاجب ، وفيها إذا ذهب البصر بضربة والعين قائمة فإن استطيع القود من البياض والعين قائمة أقيد ما نصه أتى بهذه المسألة منسوبة للمدونة ، لأنها توهم خلاف ما قدمه في الموضحة التي أذهبت البصر والسمع ، فإن المذهب هناك متفق على عدم القصاص في السمع والبصر مجرد ، ولا مناقضة عند الشيوخ بين هذه وبين ما تقدم لأن الضرب هناك في غير محل المنفعة والضرب هنا في العين نفسها ، ولكنه لم يمكن من فقء عين الجاني لأنه أزيد مما فعله في المجني عليه . ا هـ . وظاهره سواء كان الفعل يقتص منه أم لا ، وكذا أطلق في المدونة وابن عرفة وغيرهما ، وفي فرق ابن عبد السلام نظر لأنه يقتضي أن الضرب مهما كان في محل المنفعة فالحكم ما ذكر مع أنه في المدونة من ضرب يد رجل أو رجله عمدا فشلت ، فإن الضارب يضرب مثلها قصاصا ، فإن شلت يده وإلا كان العقل في ماله دون العاقلة . ا هـ . فلم يذكر القصاص من الشلل إن أمكن مع أن الجناية في محل المنفعة .

الصقلي عن أشهب هذا إذا كانت الضربة بجرح فيه القود ، ولو ضربه على رأسه بعصا فشلت يده فلا قود وعليه دية اليد . ابن عرفة في كونه تقييدا أو خلافا نظر والأظهر الأول ، وهذا يبطل فرق عج لاقتضائه أن المنفعة مهما ذهبت بما لا قصاص فيه فالحكم ما ذكره المصنف ، وقد علمت خلافه فالظاهر أن ما ذكره المصنف تبعا للمدونة خاص بالبصر لما جاء فيه عن عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما ، لأن غيره من المنافع لا يستطاع في ذلك ، ولو أمكن لقيل فيه كذلك ، سواء كان الضرب يقتص منه أم لا في محل المنفعة أم لا على ما يظهر من كلامهم ، والله أعلم .

ومسألة المدونة في الشلل هي قول المصنف كأن شلت يده في مختصر الوقار ، وإذا [ ص: 53 ] ضربت العين فذهب بصرها وبقي جمالها ففيها عقلها خمسمائة دينار ولا قود فيها ، وإن أتى ذلك منها عمدا لأنه لا يوصل إلى القود في ذلك وكذلك اليد إذا شلت ولم تبن وكذلك اللسان إذا أخرس ولم يقطع هذه سبيل كل ما ذهبت منفعته ولم يبن عن جثمان المجني عليه ، وبقي جماله ، وإن كان معينا ففيه عقله كاملا ولا قود فيه وإن كان عمدا ، ويؤدب الجاني مع أخذ العقل منه ، وإذا ضرب رجل عين رجل فأدمعها أو ضرب سنه فحركها أو ضرب يده فأوهنها استؤني بجميع ذلك سنة فما آل إليه أمر العين والسن واليد بعد السنة حكم به للمجني عليه ا هـ .




الخدمات العلمية