الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 374 ] إلا أن يعلم ويطول .

التالي السابق


وللغريم الرد في كل حال ( إلا أن يعلم ) الغريم إعتاق مدينه ويسكت ( ويطول ) زمن سكوته ، وهل الطول بمضي زمن يشتهر فيه العتيق بالحرية وتثبت له فيه أحكامها من إرث وقبول شهادة ونحوهما أو بمضي أربع سنين قولا ابن القاسم وابن عبد الحكم رضي الله تعالى عنهما . " غ " ينبغي أن يكون يطول معطوفا بأو لا بالواو بشهادة النقول ، والله تعالى أعلم . طفي قوله ويطول بالواو وفي نسخة تت ، وعليها شرح الشارح في شروحه ، قال يعني : الرد المذكور مقيد بما إذا لم يطل الزمان بعد علم الغريم بالعتق ، فأما إذا علم بعتق المديان وسكت حتى طال ذلك ثم قام فليس له رده ، وفي شامله ولو سكت بعد العتق وطال فلا رد .

وفي التوضيح لو سكت الغرماء عن رد عتق المدين وطال ذلك لم يكن لهم قيام ، وإن قالوا لم نعلم بإعتاقه فقال ابن عبد الحكم لهم ذلك في أربع سنين لا في أكثر ، وقاله الإمام مالك رضي الله تعالى عنه . وفسر ابن القاسم الطول الذي يدل على الرضا بأن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالموارثة ، وقبول الشهادة ولم يمنع ذلك الغرماء ونحوه لابن عبد السلام وابن عرفة ، ونصه فإن سكت الغرماء عن القيام بعد العتق ثم قاموا فقال الباجي عن ابن عبد الحكم إن قاموا بعد ثلاث سنين أو أربع وهو بالبلد ، وقالوا لم نعلم به فذلك لهم حتى تقوم بينة أنهم علموا ، وفي أكثر من أربع سنين لا يقبل منهم . وروى محمد استحسن مالك رضي الله تعالى عنه إن طال حتى ورث الأحرار وجازت شهادته .

قال ابن القاسم يريد أن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالموارثة وقبول الشهادة . وقال أصبغ إنما ذلك في التطاول الذي لعل السيد أيسر فيه ولو تيقن ببينة قاطعة اتصال عدمه مع غيبة الغرماء وعدم علمهم رد عتقه ولو ولد له سبعون ولدا ولو قال الغريم في ثلاث أو أربع سنين علمت بعتقه ولم أنكره لما اعتقدت أن الدين لم يحط بماله فقال [ ص: 375 ] ابن عبد الحكم ينفذ عتقه ولأصبغ عن ابن وهب لا يرد لدين هذا الغريم ويرد لغيره ويدخل معه هذا ، وقال أصبغ يرد لهذا الغريم ولو كان وحده . ا هـ . كلام ابن عرفة فقد ظهر لك من هذه النقول أنه لا بد من الطول مع العلم ، إذ قول ابن القاسم ولم يمنع من ذلك الغرماء ، فهو محمول على الرضا بعتقه ظاهر في أنه مع العلم ، فقوله وقول ابن عبد الحكم غير متواردين في محل واحد خلافا لتت في جعلهما متواردين في العلم مع الطول على ما يظهر منه .

وأحسن من عبارته قول الشارح في صغيره اختلف في حد الطول ، فقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أربع سنين ، وفسره ابن القاسم بأن يشتهر بالحرية وتثبت له أحكامها بالموارثة وقبول الشهادة ولم يمنع ذلك الغريم ، ولو قال الغريم لم أعلم بإعتاقه فله ذلك في أربع سنين لا أكثر ا هـ . وقول المدونة لو أعتق في عسره ولم يقم عليه حتى أيسر لنفذ العتق ، وقولها أيضا لو أعتق عبده وله مال سواه يغترقه الدين ، ويغترق نصف العبد فلم يقم عليه حتى أعدم فلا يباع لغرمائه من العبد إلا ما كان يباع لهم لو قاموا يوم أعتق يدل على أنه لا يسقط قيامه بمجرد العلم والسكوت ، وأنه لا بد من الطول المتقدم فانظر هذا كله مع قول " غ " في قوله ويطول ينبغي عطفه بأو لا بالواو بشهادة النقول ، وتبعه عج ، وعلى هذا إذا طال يسقط قيامه ولو علم ببينة أنه لم يعلم به لبعد غيبته أو نحوه وليس كذلك ا هـ . البناني وعلى العطف بأو شرح " ز " وهو الظاهر لأن الطول وحده كاف في منع الرد وإن لم يكن علم ، يدل على هذا النقل ، ففي التوضيح لو سكت الغرماء عن عتق المدين وطال ذلك لم يكن لهم قيام ، وإن قالوا لم نعلم إعتاقه فقال ابن عبد الحكم لهم ذلك في أربع سنين لا في أكثر ، وقاله مالك رضي الله تعالى عنه

وفسر ابن القاسم الطول الذي يدل على الرضا بأن يشتهر بالحرية ويثبت له أحكامها بالوراثة وقبول الشهادة ولم يمنع ذلك الغرماء . أصبغ وذلك في التطاول الذي أتت على السيد فيه أوقات أفاد فيها وفاء الدين ولو تيقن بالشهادة القاطعة أنه لم يزل عديما متصل العدم مع غيبة الغريم وعدم علمه لرد معتقه [ ص: 376 ] ولو ولد له سبعون ولدا ، ولو أيسر المعتق ثم قام الغرماء عليه ، وقد أعسر فقال ، الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا يرد عتقه ، ومثله لابن عرفة ، فقد أفاد أن الطول وحده كاف مع قولهم لم نعلم والعلة إما كونه مظنة العلم والرضا أو احتمال أن يكون أفاد مالا في أثناء المدة ، فقول طفي على ما ارتضاه " غ " إذا طال يسقط قيامه ولو علم ببينة أنه لم يعلم لبعد غيبته أو نحوه وليس كذلك غير صحيح بالنسبة للعلة الثانية ، ويبقى النظر في العلم وحده هل يمنع الرضا إذا سكت مدة تدل عليه وإن لم يطل أو لا بد معه من الطول ليس فيما رأيناه من النقل ما دل على شيء من ذلك ، والأول هو ظاهر المصنف على العطف بأو ، وزعم طفي أن النقل المتقدم يدل على أنه لا بد من الطول مع العلم ، وفيه نظر ، ولذلك اختار نسخة الواو تبعا للشارح وابن مرزوق والله أعلم .

قلت النصوص المتقدمة ليس فيها اشتراط العلم مع الطول فالحق ما قاله ابن غازي والبناني ، ثم رأيت الحط نقل عن ابن رشد خلافا في الطول المجرد عن العلم ، ونصه ابن رشد في الأجوبة . واختلف إن لم يعلموا حتى طال الأمر وجازته شهادته وورث الأحرار فقيل لهم أن يردوه . وقيل ليس لهم أن يردوه لاحتمال أن يكون قد أفاد في خلال ذلك مالا ثم ذهب مع حرمة العتق . ا هـ . والله أعلم .




الخدمات العلمية