الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) نزلت في قول الجمهور بسبب منهال التمار ، ويكنى : أبا مقبل ، أتته امرأة تشتري منه تمرا فضمها وقبلها ثم ندم . وقيل : ضرب على عجزها .

والعطف بالواو مشعر بالمغايرة . لما ذكر الصنف الأعلى وهم المتقون الموصوفون بتلك الأوصاف الجميلة ، ذكر من دونهم ممن قارف المعاصي وتاب وأقلع ، وليس من باب عطف الصفات واتحاد الموصوف . وقيل : إنه من عطف الصفات ، وإنه من نعت المتقين ، روي ذلك عن الحسن .

قال ابن عباس : الفاحشة الزنا ، وظلم النفس ما دونه من النظر واللمسة . وقال مقاتل : الفاحشة الزنا ، وظلم النفس سائر المعاصي . وقال النخعي : الفاحشة القبائح ، وظلم النفس من الفاحشة ، وهو لزيادة البيان . وقيل : جميع المعاصي ، وظلم النفس العمل بغير علم ولا حجة . وقال الباقر : الفاحشة النظر إلى الأفعال ، وظلم النفس رؤية النجاة بالأعمال . وقيل : الفاحشة الكبيرة ، وظلم النفس الصغيرة . وقيل : الفاحشة ما تظوهر به من المعاصي ، وقيل : ما أخفي منها . وقال مقاتل والكلبي : الفاحشة ما دون الزنا من قبلة أو لمسة أو نظرة فيما لا يحل ، وظلم النفس بالمعصية ، وقيل : الفاحشة الذنب الذي فيه تبعة للمخلوقين ، وظلم النفس ما بين العبد وبين ربه . وهذه تخصيصات تحتاج إلى دليل . وكثر استعمال الفاحشة في الزنا ؛ ولذلك قال جابر حين سمع الآية : زنوا ورب الكعبة .

ومعنى ذكروا الله : ذكروا وعيده . قاله ابن جرير وغيره . وقيل : العرض على الله ، قاله الضحاك . أو السؤال عنه يوم القيامة ، قاله الكلبي ومقاتل والواقدي . وقيل : نهي الله . وقيل : غفرانه . وقيل : تعرضوا لذكره بالقلوب ليبعثهم على التوبة . وقيل : عظيم عفوه ، فطمعوا في مغفرته . وقيل : إحسانه ، فاستحيوا من إساءتهم . وهذه الأقوال كلها على أن الذكر هو بالقلب . وقيل : هو باللسان ، وهو الاستغفار . ذكروا الله بقلوبهم : اللهم اغفر لنا ذنوبنا ، قاله ابن مسعود ، وأبو هريرة ، وعطاء في آخرين . وروي عن أبي هريرة " ما رأيت أكثر استغفارا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ولا بد مع ذكر اللسان من مواطأة القلب ، وإلا فلا اعتبار بهذا الاستغفار . ومن استغفر وهو مصر فاستغفاره يحتاج إلى استغفار . والاستغفار سؤال الله بعد التوبة الغفران .

وقيل : ندموا وإن لم يسألوا . والظاهر الأول . ومفعول " استغفروا الله " محذوف لفهم المعنى ، أي فاستغفروه لذنوبهم . وتقدم الكلام على هذا الفعل وتعديته .

التالي السابق


الخدمات العلمية