الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( سماعون للكذب أكالون للسحت ) قال الحسن : يسمعون الكلام ممن يكذب عندهم في دعواه فيأتيهم برشوة فيأخذونها . وقال أبو سليمان : هم اليهود ويسمعون الكذب ، وهو قول بعضهم [ ص: 489 ] لبعض : محمد كاذب ليس بنبي ، وليس في التوراة الرجم ، وهم يعلمون كذبهم . وقيل : الكذب هنا شهادة الزور . انتهى . وهذا الوصف إن كان قوله أولا : سماعون للكذب ، وصفا لبني إسرائيل .

وتقدم أن السحت : المال الحرام . واختلف في المراد به هنا ، فعن ابن مسعود : إنه الرشوة في الحكم ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن ، وثمن الكلب والنرد والخمر والخنزير والميتة والدم وعسب الفحل ، وأجرة النائحة والمغنية ، والساحر ، وأجر مصور التماثيل ، وهدية الشفاعة ; قالوا : وسمي سحتا المال الحرام لأنه يسحت الطاعات أو بركة المال أو الدين أو المروءة ; وعن ابن مسعود ومسروق : إن المال المأخوذ على الشفاعة سحت . وعن الحسن : إن ما أكل الرجل من مال من له عليه دين - سحت . وقيل لعبد الله : كنا نرى أنه ما أخذ على الحكم يعنون الرشا ، قال : ذلك كفر ، قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) . وقال أبو حنيفة : إذا ارتشى الحاكم يعزل ، وفي الحديث : كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وقال علي وأبو هريرة : كسب الحجام سحت ، يعني أنه يذهب المروءة ، وما ذكر في معنى السحت فهو من أمثلة المال الذي لا يحل كسبه .

ومن أعظم السحت الرشوة في الحكم ، وهي المشار إليها في الآية . كان اليهود يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام . وعن الحسن : كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراه إياها ، وتكلم بحاجته ، فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه ، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب . وقرأ النحويان وابن كثير : السحت ، بضمتين . وقرأ باقي السبعة : بإسكان الحاء . وزيد بن علي وخارجة بن مصعب عن نافع : بفتح السين وإسكان الحاء ، وقرئ بفتحتين . وقرأ عبيد بن عمير : بكسر السين وإسكان الحاء ، فبالضم والكسر والفتحتين : اسم المسحوت ، كالدهن والرعي والنبض ; وبالفتح والسكون : مصدر أريد به المفعول ، كالصيد بمعنى المصيد ; أو سكنت الحاء طلبا للخفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية