الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إنما وليكم الله ورسوله ) لما نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، بين هنا من هو وليهم ، وهو الله ورسوله . وفسر الولي هنا بالناصر ، أو المتولي الأمر ، أو المحب . ثلاثة أقوال ; والمعنى : لا ولي لكم إلا الله . وقال : وليكم بالإفراد ، ولم يقل أولياؤكم ; وإن كان المخبر به متعددا ، لأن وليا اسم جنس . أو لأن الولاية حقيقة هي لله تعالى على سبيل التأصل ، ثم نظم في سلكه من ذكر على سبيل التبع ، ولو جاء جمعا لم يتبين هذا المعنى من الأصالة والتبعية . وقرأ عبد الله : مولاكم الله ; وظاهر قوله : والذين آمنوا ، عموم من آمن من مضى منهم ومن بقي ، قاله الحسن . وسئل الباقر عمن نزلت فيه هذه الآية ، أهو علي ؟ فقال : علي من المؤمنين . وقيل : الذين آمنوا هو علي ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل ، ويكون من إطلاق الجمع على الواحد مجازا . وقيل [ ص: 514 ] ابن سلام وأصحابه . وقيل : عبادة ، لما تبرأ من حلفائه اليهود . وقيل : أبو بكر ، رضي الله عنه ، قاله عكرمة .

( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق ، لأن المنافق لا يدوم على الصلاة ولا على الزكاة . قال تعالى : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) وقال تعالى : ( أشحة على الخير ) ولما كانت الصحابة وقت نزول هذه الآية من مقيمي صلاة ومؤتي زكاة ، وفي كلتا الحالتين كانوا متصفين بالخضوع لله تعالى والتذلل له ، نزلت الآية بهذه الأوصاف الجليلة ; والركوع هنا ظاهره الخضوع ، لا الهيئة التي في الصلاة . وقيل : المراد الهيئة ، وخصت بالذكر لأنها من أعظم أركان الصلاة ، فعبر بها عن جميع الصلاة ، إلا أنه يلزم في هذا القول تكرير الصلاة لقوله : يقيمون الصلاة ; ويمكن أن يكون التكرار على سبيل التوكيد لشرف الصلاة وعظمها في التكاليف الإسلامية . وقيل : المراد بالصلاة هنا الفرائض ، وبالركوع التنفل . يقال : فلان يركع إذا تنفل بالصلاة ; وروي أن عليا ، رضي الله عنه ، تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة . والظاهر من قوله : وهم راكعون ، أنها جملة اسمية معطوفة على الجمل قبلها ، منتظمة في سلك الصلاة . وقيل : الواو للحال ; أي : يؤتون الزكاة وهم خاضعون لا يشتغلون على من يعطونهم إياها ; أي : يؤتونها فيتصدقون وهم ملتبسون بالصلاة . وقال الزمخشري . ( فإن قلت ) : الذين يقيمون ما محله ؟ ( قلت ) : الرفع على البدل من الذين آمنوا ، أو على هم الذين يقيمون . انتهى . ولا أدري ما الذي منعه من الصفة إذ هو المتبادر إلى الذهن ، لأن المبدل منه في نية الطرح ، وهو لا يصح هنا طرح الذين آمنوا لأنه هو الوصف المترتب عليه صحة ما بعده من الأوصاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية