الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ) الطرف : من قتل ببدر ، هم سبعون من رؤساء قريش ، أو من قتل ب أحد وهم اثنان وعشرون رجلا على الصحيح . وقال السدي : ثمانية عشر ، أو مجموع المقتولين في الوقعتين ، ثلاثة أقوال . وكنى عن الجماعة بقوله : طرفا ؛ لأن من قتله المسلمون في حرب هم طرف من الكفار ، إذ هم الذين يلون القاتلين ، فهم حاشية منهم . فكان جميع الكفار رفقة ، وهؤلاء المقتولون طرفا منها . قيل : ويحتمل أن يراد بقوله : طرفا دابرا أي آخرا ، وهو راجع لمعنى الطرف ؛ لأن آخر الشيء طرف منه ( أو يكبتهم ) أي ليخزيهم ويغيظهم ، فيرجعوا غير ظافرين بشيء مما أملوه . ومتى وقع النصر على الكفار ، فإما بقتل ، وإما بخيبة ، وإما بهما . وهو كقوله : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ) . وقرأ الجمهور " أو تكبتهم " بالتاء . وقرأ لاحق بن حميد : " أو يكبدهم " بالدال مكان التاء ، والمعنى : يصيب الحزن كبدهم . وللمفسرين في " يكبتهم " أقوال ؛ يهزمهم ، قاله ابن عباس والزجاج ، أو يخزيهم قاله قتادة ومقاتل ، أو يصرعهم ، قاله أبو عبيدة واليزيدي ، أو يهلكهم قاله أبو عبيدة . أو يلعنهم قاله : السدي . أو يظفر عليهم ، قاله : المبرد . أو يغيظهم قاله : النضر بن شميل واختاره ابن قتيبة . وأما قراءة لاحق فهي من إبدال الدال بالتاء كما قالوا . هوت الثوب وهرده ، إذا حرقه ، وسبت رأسه وسبده إذا حلقه ، فكذلك كبت العدو وكبده أي أصاب كبده .

واللام في " ليقطع " يتعلق قيل : بمحذوف تقديره أمدكم أو نصركم . وقال الحوفي : يتعلق بقوله : ( ولقد نصركم الله ) أي نصركم ليقطع . قال : ويجوز أن يتعلق بقوله : ( وما النصر إلا من عند الله ) . ويجوز أن تكون متعلقة بيمددكم . وقال ابن عطية : وقد يحتمل أن تكون اللام متعلقة بـ " جعله " ، وقيل : هو معطوف على قوله : " ولتطمئن " ، وحذف حرف العطف منه ، التقدير : ولتطمئن قلوبكم به وليقطع ، وتكون الجملة من قوله : وما النصر إلا من عند الله اعتراضية بين المعطوف عليه والمعطوف . والذي يظهر أن تتعلق بأقرب مذكور وهو : [ ص: 53 ] العامل في " من عند الله " وهو خبر المبتدأ . كأن التقدير : وما النصر إلا كائن من عند الله لا من عند غيره ؛ لأحد أمرين : إما قطع طرف من الكفار بقتل وأسر ، وإما بخزي وانقلاب بخيبة . وتكون الألف واللام في " النصر " ليست للعهد في نصر مخصوص ، بل هي للعموم ، أي : لا يكون نصر أي نصر من الله للمسلمين على الكفار إلا لأحد أمرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية