الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) قال قتادة والسدي : لما نزل ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الحسنات كالميراث .

وقال النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال كالميراث . وقال عكرمة : قال النساء : وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر مثل ما يصيب الرجال . وزاد مجاهد : أن ذلك عن أم سلمة . وأنها قالت : وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت . وروي عنها أنها قالت : ليتنا كنا رجالا ، فنزلت .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما نهى عن أكل المال بالباطل ، وعن قتل الأنفس ، وكان ما نهى عنه مدعاة إلى التبسط في الدنيا والعلو فيها وتحصيل حطامها ، نهاهم عن تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض ، إذ التمني لذلك سبب مؤثر في تحصيل الدنيا وشوق النفس إليها بكل طريق ، فلم يكتف بالنهي عن تحصيل المال بالباطل وقتل الأنفس ، حتى نهى عن السبب المحرض على ذلك ، وكانت المبادرة إلى النهي عن المسبب آكد لفظاعته ومشقته ، فبدئ به ، ثم أتبع بالنهي عن السبب حسما لمادة المسبب ، وليوافق العمل القلبي العمل الخارجي فيستوي الباطن والظاهر في الامتناع عن الأفعال القبيحة . وظاهر الآية يدل على النهي أن يتمنى الإنسان لنفسه ما فضل به عليه غيره ، بل عليه أن يرضى بما قسم الله له .

وتمني ذلك هو أن يكون له مثل ما لذلك المفضل . وقال ابن عباس وعطاء : هو أن يتمنى مال غيره . وقال الزمخشري : نهوا عن الحسد ، وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال ، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ، وبما يصلح للمقسوم له من بسط في الرزق أو قبض انتهى . وهو كلام حسن . وظاهر النهي إنما يتناول ما فضل الله به بعضهم على بعض . أما تمني أشياء من أحوال صالحة له في الدنيا وأعمال يرجو بها الثواب في الآخرة فهو حسن لم يدخل في الآية . وقد جاء في الحديث (وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيى ثم أقتل ) في آخر الآية : ( واسألوا الله من فضله ) فدل على جواز ذلك . وإذا كان مطلق تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض منهيا عنه ، فأن يكون ذلك بقيد زوال نعمة من فضل عليه عنه - بجهة الأحرى . والأولى إذ هو الحسد المنهي عنه في الشرع ، والمستعاذ بالله منه في نص القرآن . وقد اختلفوا إذا تمنى حصول مثل نعمة المفضل عليه له من غير أن تذهب عن المفضل ، فظاهر الآية المنع ، وبه قال المحققون ، لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة في حقه في الدين ، ومضرة عليه في الدنيا ، فلا يجوز أن يقول : اللهم أعطني دارا مثل دار فلان ، ولا زوجا مثل زوجه ، بل يسأل الله ما شاء من غير تعرض لمن فضل عليه . وقد أجازه بعض الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية