الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) الخلاف في الخوف هنا مثله في : واللاتي تخافون . ولما كان حال المرأة مع زوجها إما الطواعية ، وإما النشوز . وكان النشوز إما تعقبه الطواعية ، وإما النشوز المستمر ، فإن أعقبته الطواعية فتعود كالطائعة أولا . وإن استمر النشوز واشتد ، بعث الحكمان .

والشقاق : المشاقة . والأصل شقاقا بينهما ، فاتسع وأضيف . والمعنى على الظرف كما تقول : يعجبني سير الليلة المقمرة . أو يكون استعمل اسما وزال معنى الظرف ، أو أجرى البين هنا مجرى حالهما وعشرتهما وصحبتهما .

والخطاب في : ( وإن خفتم ) ، وفي ( فابعثوا ) - للحكام ، ومن يتولى الفصل بين الناس . وقيل : للأولياء لأنهم الذين يلون أمر الناس في العقود والفسوخ ، ولهم نصب الحكمين . وقيل : خطاب للمؤمنين . وأبعد من ذهب إلى أنه خطاب للأزواج ، إذ لو كان خطابا للأزواج لقال : وإن خافا شقاق بينهما فليبعثا ، أو لقال : فإن خفتم شقاق بينكم ، لكنه انتقال من خطاب الأزواج إلى خطاب من له الحكم والفصل بين الناس ، وإلى أنه خطاب للأزواج ذهب الحسن والسدي . والضمير في بينهما عائد على الزوجين ، ولم يجرد ذكرهما ، لكن جرى ما يدل عليهما من ذكر الرجال والنساء .

والحكم : هو من يصلح للحكومة بين الناس والإصلاح . ولم تتعرض الآية لماذا يحكمان فيه ، وإنما كان من الأهل ، لأنه أعرف بباطن الحال ، وتسكن إليه النفس ، ويطلع كل منهما حكمه على ما في ضميره من حب وبغض وإرادة صحبة وفرقة . قال جماعة من العلماء : لا بد أن يكونا عارفين بأحوال الزوجين ، عدلين ، حسني السياسة والنظر في حصول المصلحة ، عالمين بحكم الله في الواقعة التي حكما فيها . فإن لم يكن من أهلهما من يصلح لذلك أرسل من غيرهما عدلين عالمين ، وذلك إذا أشكل أمرهما ورغبا فيمن يفصل بينهما . وقال بعض العلماء : إنما هذا الشرط في الحكمين اللذين يبعثهما الحاكم . وأما الحكمان اللذان يبعثهما الزوجان فلا يشترط فيهما إلا أن يكونا بالغين عاقلين مسلمين ، من أهل العفاف والستر ، يغلب على الظن نصحهما . واختلفوا في المقدار الذي ينظر فيه الحكمان ، فذهب الجمهور إلى أنهما ينظران في كل شيء ، ويحملان على الظالم ، ويمضيان ما رأيا من بقاء أو فراق ، وبه قال : مالك ، و الأوزاعي ، و إسحاق ، وأبو ثور . وهو مروي عن : علي ، و عثمان ، وابن عباس ، و الشعبي ، و النخعي ، و مجاهد ، وأبي سلمة ، و طاوس . قال مالك : إذا رأيا التفريق فرقا ، سواء أوافق مذهب قاضي البلد أو خالفه ، وكلاه أم لا ، والفراق في ذلك طلاق بائن ، وقالت طائفة : لا ينظر الحكمان إلا فيما وكلهما به الزوجان وصرحا بتقديمهما عليه ، فالحكمان وكيلان : أحدهما للزوج ، والآخر للزوجة ، ولا تقع الفرقة إلا برضا الزوجين ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وعن الشافعي القولان . وقال الحسن وغيره : ينظر الحكمان في الإصلاح وفي الأخذ والإعطاء ، إلا في الفرقة فإنها ليست إليهما . وأما ما يقول الحكمان ، فقال جماعة : يقول حكم الزوج له : أخبرني ما في خاطرك ، فإن قال : لا حاجة لي فيها ، خذ لي ما استطعت وفرق بيننا ، علم أن النشوز من قبله . وإن قال : أهواها ورضها من مالي بما شئت ولا تفرق بيننا ، علم أنه ليس بناشز ويقول الحكم من جهتها لها كذلك ، فإذا ظهر لهما أن النشوز من جهته وعظاه ، وزجراه ، ونهياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية