الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5829 وقد قال: إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة؛ كقوله: إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب، كقوله: لا ملك إلا الله، فوصفه بانتهاء الملك، ثم ذكر الملوك أيضا، فقال: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مقصود البخاري من ذكر هذا الكلام الذي فيه أدوات الحصر أن الحصر فيه ادعائي لا حقيقي، فكذلك الحصر في قوله: " إنما الكرم قلب المؤمن"، فكأن الكرم الحقيقي القلب لا الشجر، وإنما هو على سبيل الادعاء لا على الحقيقة، ألا ترى أنه يطلق على [ ص: 204 ] غيره. قوله: " إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة"، ومعنى الحديث كما أخرجه الترمذي، ولكن ليس فيه أداة الحصر، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله، من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا، أخذ من خطاياهم فطرح عليه، ثم يطرح في النار ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. قوله: " كقوله: إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب" أراد أن قوله: " إنما المفلس"؛ كقوله: "إنما الصرعة"، وهذا حديث رواه أبو هريرة، وقد مضى قبل هذا الباب بخمسة وعشرين بابا. قوله: " كقوله: لا ملك إلا الله" أراد أن فيه الحصر كما فيما قبله; لأن كلمة "لا"، وكلمة "إلا" صريح في النفي والإثبات؛ فمقتضاه حصر لفظ الملك، بفتح الميم وكسر اللام على الله، لكن قد أطلق على غيره، وفي نفس الأمر الملك حقيقة هو الله تعالى، والباقي بالتجوز، وروي: "لا ملك إلا لله" بضم الميم وسكون اللام. قوله: " فوصفه بانتهاء الملك"، وهو عبارة عن انقطاع الملك عنده؛ أي: لا ملك بعده. قوله: " فقال: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " ذكر هذا لبيان أن "الملك" يطلق على غير الله تعالى بدليل قوله تعالى: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وهو جمع ملك، وفي القرآن شيء كثير من هذا القبيل؛ كقوله تعالى: وقال الملك في صاحب يوسف وغيره، ولكن، كما ذكرنا، كل ذلك بطريق التجوز لا بطريق الحقيقة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية