الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5907 34 - حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه، فجاء، فقال: قوموا إلى سيدكم، أو قال: خيركم، فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال: لقد حكمت بما حكم به الملك.

                                                                                                                                                                                  قال أبو عبد الله: أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد من قول أبي سعيد إلى حكمك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الترجمة من بعض الحديث كما ترى. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي. وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وأبو أمامة، بضم الهمزة، اسمه أسعد بن سهل بن حنيف، بضم الحاء المهملة وفتح النون، الأنصاري، وله إدراك. وأبو سعيد سعد بن مالك الخدري.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الجهاد عن سليمان بن حرب، وفي فضل سعد بن معاذ، عن محمد بن عروة، وفي المغازي عن بندار، عن غندر، ومضى الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قريظة" بضم القاف وفتح الراء؛ اسم لقبيلة يهود كانوا في قلعة. قوله: " مقاتلتهم"؛ أي: الطائفة المقاتلة من الرجال، والذراري بتخفيف الياء وتشديدها؛ جمع الذرية، أي: النساء والصبيان. قوله: " الملك" بكسر اللام هو الله تعالى; لأنه هو الملك الحقيقي على الإطلاق، وهو رواية الأصيلي، وروي بفتح اللام؛ أي: بحكم جبريل عليه السلام الذي جاء به من عند الله.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال أبو عبد الله" هو البخاري نفسه. أفهمني... إلى آخره، قال الكرماني: أي: قال البخاري: أنا سمعت من أبي الوليد على حكمك، وبعض الأصحاب نقلوا عنه إلى حكمك، بحرف الانتهاء بدل حرف الاستعلاء.

                                                                                                                                                                                  وفيه أمر السلطان والحاكم بإكرام السيد من المسلمين، وجواز إكرام أهل الفضل في مجلس السلطان الأكبر والقيام فيه لغيره من أصحابه وإلزام الناس كافة للقيام إلى سيدهم، وقد منع من ذلك قوم واحتجوا بحديث أبي أمامة رواه أبو داود وابن ماجه، قال: خرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم ، قال الطبري : هذا حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف، واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن بريدة أخرجه الحاكم أن أباه دخل على معاوية، فأخبره أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: من أحب أن يتمثل له الرجال قياما؛ وجبت له النار. وقال الطبري: إنما فيه نهي من [ ص: 252 ] يقام له عن السرور بذلك، لا من يقوم إكراما له. وقال الخطابي: في حديث الباب جواز إطلاق السيد على الحبر الفاضل، وفيه أن قيام المرؤوس للرئيس الفاضل، والإمام العادل، والمتعلم للعالم مستحب، وإنما يكره لمن كان بغير هذه الصفات. وعن أبي الوليد بن رشد أن القيام على أربعة أوجه؛ الأول: محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه. والثاني: مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة. والثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة. والرابع: مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها، وقال التوربشتي في شرح المصابيح: معنى قوله: "قوموا إلى سيدكم"؛ أي: إلى إعانته وإنزاله عن دابته، ولو كان المراد التعظيم لقال: قوموا لسيدكم، واعترض عليه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للإكرام، وما اعتل به من الفرق بين "إلى" و"اللام" ضعيف; لأن "إلى" في هذا المقام أفخم من اللام؛ كأنه قيل: قوموا وامشوا إليه تلقيا وإكراما، وهذا مأخوذ من ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية، فإن قوله: "سيدكم" علة للقيام؛ وذلك لكونه شريفا على القدر. وقال البيهقي: القيام على وجه البر والإكرام جائز؛ كقيام الأنصار لسعد وطلحة لكعب، ولا ينبغي لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى إن ترك القيام له حنق عليه، أو عاتبه، أو شكاه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية