الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5589 143 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج، وهو على المنبر، وهو يقول وتناول قصة من شعر كانت بيد حرسي: أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذه، ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " حين اتخذ هذه نساؤهم" أراد به وصل الشعر.

                                                                                                                                                                                  وإسماعيل بن أبي أويس.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في آخر ذكر بني إسرائيل; فإنه أخرجه هناك، حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عمرو بن مرة، سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها، فخطب، فأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعل هذا غير اليهود، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه الزور، يعني الوصال بالشعر. وأخرجه بقية الجماعة غير ابن ماجه، وقد ذكر في كل واحد منهما ما لم يذكره في الآخر، فالحديث واحد، والمخرج مختلف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قصة من شعر" بضم القاف وتشديد الصاد المهملة، وهي الكبة من الشعر كما ذكر فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حرسي " بفتح الحاء المهملة والراء، وبالسين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، قال الكرماني: أي: الجندي. وقال الجوهري: الحرس هم الذين يحرسون السلطان، والواحد حرسي; لأنه قد صار اسم جنس فنسب إليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أين علماؤكم؟" السؤال للإنكار عليهم بإهمالهم إنكار مثل هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: فيه إشارة إلى قلة العلماء يومئذ بالمدينة. قلت: فيه بعد يستبعده من له اطلاع في التاريخ، وكانت المدينة دار العلم ومعدن الشريعة، وإليها يهرع الناس في أمر دينهم. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك، كيف لم يغير أهلها هذا المنكر؟! قلت: لا يخلو زمان من ارتكاب المعاصي، وقد كان في وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شرب الخمر وسرق وزنى، إلا أنه كان شاذا نادرا، فلا يحل لمسلم أن يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يغير المنكر، فكذلك أمر القصة بالمدينة كان شاذا، ولا يجوز أن يقال: إن أهلها جهلوا النهي عنها; لأن حديث لعن الواصلة [ ص: 64 ] حديث مدني معروف عندهم مستفيض.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن مثل هذه وأشار به إلى قصة الشعر التي تناولها من يد حرسي" وبمثلها كانت النساء يوصلن شعورهن.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إنما هلكت بنو إسرائيل.." إلى آخره؛ إشارة إلى أن الوصل كان محرما على بني إسرائيل، فعوقبوا باستعماله، وهلكوا بسببه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حين اتخذ هذه" إشارة أيضا إلى القصة المذكورة، وأراد به الوصل، وقال بعضهم: هذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر، سواء كان شعرا أو لا، ويؤيده حديث جابر رضي الله تعالى عنه: " زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصل المرأة بشعرها شيئا" أخرجه مسلم. قلت: هذا الذي قاله غير مستقيم; لأن الحديث الذي أشار به إليه الذي هو حديث معاوية لا يدل على المنع مطلقا; لأنه مقيد بوصل الشعر بالشعر، فكيف يجعله حجة للجمهور؟ نعم، حجة الجمهور حديث جابر المذكور، فانظر إلى هذا التصرف العجيب الذي جعل الحديث المقيد لمن يدعي الإطلاق في المنع، ثم يقول: ويؤيده حديث جابر، فكيف يؤيد المطلق المقيد؟ ونقل أبو عبيد عن كثير من الفقهاء أن المنع في ذلك وصل الشعر بالشعر. وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها، فلا يدخل في النهي، وبه قال الليث.

                                                                                                                                                                                  وقال الطبري: اختلف العلماء في معنى نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الوصل في الشعر.

                                                                                                                                                                                  فقال بعضهم: لا بأس عليها في وصلها شعرها بما وصلت به من صوف وخرقة وغير ذلك. روي ذلك عن ابن عباس، وأم سلمة أم المؤمنين، وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وسأل ابن أشوع عائشة : ألعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواصلة؟ قالت: أيا سبحان الله! وما بأس بالمرأة الزعراء أن تأخذ شيئا من صوف فتصل به شعرها، فتتزين به عند زوجها؟ إنما لعن المرأة الشابة تبغي في شبيبتها ....

                                                                                                                                                                                  قالوا: هذا الحديث باطل. ورواته لا يعرفون، وابن أشوع لم يدرك عائشة، والزعراء - بفتح الزاي وسكون العين المهملة وتخفيف الراء ممدودا - وهي التي لا شعر لها.

                                                                                                                                                                                  وقال قوم: لا يجوز الوصل مطلقا، ولكن لا بأس أن تضع المرأة الشعر وغيره على رأسها وضعا، ما لم تصله، روي ذلك عن إبراهيم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية