الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5527 82 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني نافع، عن عبد الله رضي الله عنه أن [ ص: 30 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من ذهب، وجعل فصه مما يلي كفه، فاتخذه الناس، فرمى به، واتخذ خاتما من ورق أو فضة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " اتخذ خاتما من ذهب".

                                                                                                                                                                                  ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم أيضا في اللباس، عن زهير بن حرب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " اتخذ خاتما" يعني أمر بصياغته، فصيغ له فلبسه، أو وجده مصوغا فاتخذه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فصه" بفتح الفاء، والعامة تقول: بالكسر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فاتخذه الناس"؛ أي: فاتخذ الناس الخاتم من ذهب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " واتخذ"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم، " خاتما من ورق"، بكسر الراء، وهو الفضة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أو فضة" شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث والذي قبله يدلان على تحريم خاتم الذهب على الرجال، وقال النووي: وأجمعوا على تحريمه على الرجال، إلا ما حكي عن ابن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم; فإنه أباحه، وعن بعضهم: أنه مكروه لا حرام.

                                                                                                                                                                                  قلت: روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم لبسوه، فمن الصحابة: أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وزيد بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص، وصهيب بن سنان، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن يزيد، وأبو أسيد، ومن التابعين: عكرمة مولى ابن عباس، وأبو بكر محمد بن عمرو بن حزم، وآخرون.

                                                                                                                                                                                  وأجيب عن فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم بجوابين؛ أحدهما: أنه لعلهم لم يبلغهم النهي. والثاني: لعلهم حملوا النهي على التنزيه، وأن طرحه - صلى الله تعالى عليه وسلم - بخاتم الذهب للتنزه عن الدنيا، كما كان ينهى أهله عن الحلية، مع أنها كانت مباحة للنساء.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: أحد من روى النهي فيه: البراء بن عازب كما مر حديثه الآن. قلت: قال شيخنا رحمه الله: الجواب عنه أن هذا ليس عملا للبراء محضا، فإما أنه كان البراء صغيرا حين الإذن، ونحن نقول بجواز اللباس لغير البالغ، على الخلاف المعروف فيه عندنا. وإما أن نجعلهما حديثين متعارضين، فيحتمل أن يكون الإذن متقدما على المنع; فإن عرف التاريخ بذلك كان الحكم للنهي، وإلا فيرجع إلى الترجيح، ولا شك أن حديث النهي أصح; لأنه متفق عليه في الصحيحين، والحديث الذي يستند إليه البراء في تختمه بالذهب هو ما رواه أحمد في (مسنده) من رواية محمد بن مالك، وقال: رأيت على البراء خاتما من ذهب، وكان الناس يقولون: لم تختم بالذهب، وقد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال البراء: بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين يديه غنيمة يقسمها، سبي وحربي، فقال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طرفه إلى أصحابه، ثم خفض، ثم رفع طرفه، فنظر إليهم، ثم خفض، ثم رفع طرفه، فنظر إليهم، ثم قال: أي براء، فجئته حتى قعدت بين يديه، فأخذ الخاتم، ثم قبض على كرسوعي، ثم قال: خذ، البس ما كساك الله ورسوله ، الحديث. وقال شيخنا محمد بن مالك: راويه عن البراء تفرد به عنه، وقد ذكره ابن حبان في (الضعفاء)، وقال: وكان يخطئ كثيرا، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، ومع هذا فقد ذكره ابن حبان أيضا في (الثقات) إلا أنه قال: لم يسمع من البراء شيئا، قال شيخنا: لكن ظاهر هذا الحديث يثبت سماعه منه، وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال فيه: لا بأس به، قال: أو لعل البراء فهم التخصيص بإذنه له في لبسه، ومع ذلك فالصحيح الذي عليه الجمهور أن العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه. انتهى. قلت: العبرة عندنا بما رآه على ما عرف في موضعه، والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية