الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحد في النوم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ، فالاعتدال في نومه ثمان ساعات في الليل والنهار جميعا ، فإن نام هذا القدر بالليل فلا معنى للنوم بالنهار ، وإن نقص منه مقدارا استوفاه بالنهار فحسب ابن آدم إن عاش ستين سنة أن ينقص من عمره عشرون سنة ومهما نام ثمان ساعات وهو الثلث فقد نقص من عمره الثلث ، ولكن لما كان النوم غذاء الروح كما أن الطعام غذاء الأبدان .

وكما أن العلم والذكر غذاء القلب لم يمكن قطعه عنه وقدر الاعتدال هذا والنقصان منه ربما يفضي إلى اضطراب البدن إلا من يتعود السهر تدريجا فقد يمرن نفسه عليه من غير اضطراب وهذا الورد من أطول الأوراد وأمتعها للعباد وهو أحد الآصال التي ذكرها الله تعالى إذ قال : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال وإذا سجد لله عز وجل الجمادات فكيف يجوز أن يغفل العبد العاقل عن أنواع العبادات .

التالي السابق


( والحد في النوم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، فالاعتدال في نومه ثمان ساعات في الليل والنهار جميعا، فإن نام هذا القدر بالليل فلا معنى للنوم بالنهار، وإن نقص منه مقدارا استوفاه بالنهار) هكذا هو في القوت .

ولا [ ص: 148 ] يشترط في هذا المقدار أن يكون متواليا، بل أعم من ذلك، فلو نام ساعتين من النهار وستا من الليل كفاه ذلك، والذي كنا نسمعه من أفواه الشيوخ أن حق العين عين، وهي في العدد سبعون، أي: سبعون درجة، وهي خمس ساعات زمانية إلا خمس درج، وكان هذا أحد أقسام حد الاعتدال، والثمان ساعات مائة وعشرون درجة، فالفرق بين الحدين خمس وأربعون درجة .

( فحسب ابن آدم إن عاش ستين سنة أن ينقص من عمره عشرون سنة) فيبقى الثلثان وينقص الثلث، وبحساب ما ذكرنا ينقص في كل شهر يوم ونصف تقريبا، وفي كل سنة ثمانية عشر يوما ( ومهما نام ثمان ساعات وهو الثلث) من أربع وعشرين ( فقد نقص من عمره) النفيس ( ثلث، ولكن لما كان النوم غذاء للروح) وراحته ( كما أن الطعام غذاء الأبدان) وقوتها قال الله تعالى: وجعلنا نومكم سباتا أي: راحة للبدن، فإذا ارتاح البدن خف الروح ونشط .

( وكما أن العلم والذكر غذاء القلب لم يمكن قطعه عنه) لكمال حاجته إليه ( وقدر الاعتدال هذا) الذي ذكرناه ( والنقصان منه ربما يفضي إلى اضطراب البدن) ولفظ القوت: ومن الناس من قال: إنه إن نقص شيئا من نوم هذا المقدار في اليوم والليلة اضطرب بدنه ( إلا من يتعود السهر) أي: يتخذه عادة له ( تدريجا فقد تتمرن نفسه عليه من غير اضطراب) فإن العادة قد تعمل عمل الطبع، وتنقل عن العرف، ولا يقاس عليها .

وقال صاحب العوارف: والنعاس قسم صالح من الأقسام العاجلة للمريدين، وهو أمنة لقلوبهم من منازعات النفس؛ لأن النفس بالنوم تستريح، ولا تشكو الكلال؛ إذ في شكايتها تكدير، واستراحتها بالنوم شرط العلم، والاعتدال راحة القلب؛ لما بين القلب والنفس من المواطأة عند طمأنينتها للمريدين السالكين، فقد قيل: ينبغي أن يكون ثلث النهار والليل نوما؛ حتى لا يضطرب الجسد، فيكون ثمان ساعات للنوم، ساعتان من ذلك يجعلهما بالنهار، وست ساعات بالليل، ويزيد في أحدهما وينقص من الآخر على قدر طول الليل وقصره في الشتاء والصيف .

وقد يكون بحسن الإرادة وصدق الطلب ينقص النوم عن قدر الثلث، ولا يضر ذلك إذا كان بالتدريج، وقد يحمل ثقل السهر وقلة النوم وجود الراحة والأنس؛ فإن النوم طبعه بارد رطب، ينفع الجسد والدماغ، ويسكن من الحرارة واليبس الحادث في المزاج، فإن نقص من الثلث يضر بالدماغ، ويخشى منه اضطراب الجسم، فإذا نام عن النوم روح القلب وآنسه لا يضر نقصانه؛ لأن طبيعة الروح والأنس بارد رطب كطبيعة النوم، وقد يقصر مدة طول الليل وجود الروح تقصير بالروح لأوقات الليل الطويلة كالقصيرة، كما يقال: سنة الوصل سنة وسنة الهجر سنة، فيقصر لأصل الروح. والله أعلم .

( وهذا الورد من أطول الأوراد) لطول مدته ( وأمتعها) أي: أكثرها متاعا ( للعباد) أي: العابدين الذاكرين، وهو يضاهي الورد الثالث في الطول ( وهو) أصيل النهار، و ( أحد الآصال التي ذكرها الله تعالى) فيه سجود كل شيء وقربه بالغدو ( إذ قال: ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال فإذا سجد لله -عز وجل- الجمادات) التي لا روح لها ( فكيف يغفل العبد العاقل عن أنواع العبادات؟!) ولفظ القوت: فما أقبح أن تكون الأشياء الموات لربها ساجدات ذاكرات والمؤمن الحي عن ربه معرض ذو غفلات!




الخدمات العلمية