الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس : أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة البطن فيكون عاملا في أبواب الدنيا بل يحسن نيته ليصير بالإجابة عاملا للآخرة وذلك بأن تكون نيته الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " لو دعيت إلى كراع لأجبت وينوي " الحذر من معصية الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : " من لم يجب الداعي فقد عصى الله ورسوله .

وينوي " إكرام أخيه المؤمن اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم : " من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم الله .

وينوي " إدخال السرور على قلبه امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : " من سر مؤمنا فقد سر الله .

وينوي " مع ذلك زيارته ليكون من المتحابين في الله إذ شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه التزاور والتباذل لله .

وقد حصل البذل من أحد الجانبين فتحصل الزيارة من جانبه أيضا

التالي السابق


(الخامس: أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة البطن فيكون عاملا في) باب من (أبواب الدنيا) وساعيا في حظ نفسه وملء جوفه (بل يحسن نيته ليصير بالإجابة عاملا للآخرة) إذ الأعمال بالنيات، والإجابة من الأعمال، فمن نواها دنيا كانت له دنيا لعاجل حظه، ومن أراد بها الآخرة فهي له آخرة بحسن نيته، وإن لم تحضر نيته أو اعتل بفسادها توقف حتى يهيئ الله تعالى نية صالحة تكون الإجابة عليها أو ترك الإجابة إذا كانت بغير نية، لأنها من أفاضل الأعمال، فيحتاج إلى أحسن النيات لوجود العلم فيها، فتكثر بها الحسنات ويفقد الهوى منها، فيسلم فيها من السيئات، وإلا كانت إجابته هزوا، (وذلك بأن تكون نيته الاقتداء بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله: " لو دعيت إلى كراع لأجبت ") فهذا ظاهر في الإجابة على القليل، وقد تقدم الكلام عليه قريبا وهي الأولى .

(و) الثانية: (ينوي الحذر من معصية الله) ومعصية رسوله (لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من لم يجب الداعي فقد عصى الله ") لفظ مسلم من حديث أبي هريرة في أثناء حديث: " ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ". ورواه البخاري موقوفا، وقد تقدم ذكره قريبا عند ذكر الوليمة .

(و) الثالثة: (ينوي إكرام أخيه المؤمن اتباعا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم الله ") .وفي نسخة: " فإنما يكرم الله تعالى ". قال العراقي : رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من حديث جابر، والعقيلي في الضعفاء من حديث أبي بكر، وإسنادهما ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر بلفظ: " من أكرم امرأ مسلما فإنما يكرم الله تعالى ". وروى ابن النجار في تاريخه من حديث ابن عمر بلفظ: " من أكرم أخاه فإنما يكرم الله تعالى "، ولا سيما إذا كان الداعي مع كونه أخاه في الإيمان يكون ذا سن في الإسلام، فعن أنس مرفوعا: " من أكرم ذا سن في الإسلام كأنه قد أكرم نوحا في قومه، ومن أكرم نوحا في قومه فقد أكرم الله تعالى ". رواه أبو نعيم والديلمي والخطيب وابن عساكر، وفيه يعقوب بن تحية الواسطي لا شيء، وبكر بن أحمد بن محمد الواسطي مجهول، وأورده [ ص: 245 ] ابن الجوزي في الموضوعات وتعقب .

(و) الرابعة: (ينوي إدخال السرور عليه) بإجابته (لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من سر مؤمنا فقد سر الله ") تقدم في الباب الذي قبله، وعن أبي هريرة رفعه: " أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا ". رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج والبيهقي في السنن، ورواه ابن عدي من حديث ابن عمر .

وروى الطبراني في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة : " أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس ". وعن ابن عباس مرفوعا: " من أدخل على مؤمن سرورا فقد سرني، ومن سرني فقد اتخذ عند الله عهدا، ومن اتخذ عند الله عهدا فلن تمسه النار أبدا ". رواه الدارقطني في الأفراد، وأبو الشيخ في الثواب، قال الدارقطني: تفرد به زيد بن سعيد الواسطي، قال الذهبي في معجمه: هذا خبر منكر، ورواته ثقات أعلام، فالآفة زيد هذا، ولم أر أحدا ذكره بجرح ولا تعديل، وعنه أيضا: " من أدخل على أخيه المسلم فرحا أو سرورا في دار الدنيا خلق الله عز وجل من ذلك خلقا تدفع به عنه الآفات في دار الدنيا، وإذا كان يوم القيامة كان قريبا منه، فإذا مر به هول يفزعه قال له: لا تخف، فيقول له: فمن أنت ؟ فيقول: أنا الفرح أو السرور الذي أدخلته على أخيك في دار الدنيا ". رواه الخطيب وابن النجار.

(و) الخامسة (ينوي مع ذلك زيارته) فيصير ذلك نافلة له تماما على الذي أحسن و (ليكون من المتحابين في الله) ، وقد جاء في فضل الزيارة في الله تعالى: وإن بها يستحق ولاية الله وأنها علامة ولاية المتحابين في الله؛ (إذ شرط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فيه شيئين (التزاور) في الله (والتباذل لله) يشير بذلك إلى حديث أبي هريرة : " وجبت محبتي للمتزاورين في المتباذلين في ". رواه مسلم، وعند أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث معاذ قال الله تعالى: " وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتباذلين في، والمتزاورين في ". وعندهم أيضا ما عدا البيهقي من حديث عبادة بن الصامت قال الله تعالى: " حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتباذلين في ". الحديث، (وقد حصل البذل من أحد الجانبين) وبقيت الزيارة، (فتحصل الزيارة من جانبه أيضا) على الخبر السائر أن الإجابة من التواضع، كما تقدم من أن المتكبرين لا يجيبون الداعي .




الخدمات العلمية