الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس أن : يكون المسلم فيه مما يقدر على تسليمه وقت المحل ، ويؤمن فيه وجوده غالبا .

فلا ينبغي أن يسلم في العنب إلى أجل لا يدرك فيه .

وكذا سائر الفواكه فإن كان الغالب وجوده وجاء المحل وعجز عن التسليم بسبب آفة فله أن يمهله إن شاء أو ، يفسخ ويرجع في رأس المال إن شاء .

التالي السابق


(السادس: أن يكون المسلم فيه مما يقدر على تسليمه وقت المحل، ويؤمن فيه وجوده غالبا) هذا الشرط ليس من خواص السلم، بل يعم كل بيع على ما مر، وإنما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوب التسليم، وذلك في البيع، والسلم الحال في الحال، وفي السلم المؤجل عند المحل (فلا ينبغي أن يسلم في العنب إلى أجل لا يدرك فيه، وكذا سائر الفواكه) لو جعل محل الرطب الشتاء، وكذا لو أسلم فيما يتعذر وجوده، كلحم الصيد، حيث يفر فيه الصيد، وإن كان يغلب على الظن وجوده، لكن لا يتوصل إلى تحصيله إلا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير في وقت الباكورة، ففيه وجهان، أقربهما البطلان; لأنه عقد غرر فلا يحتمل فيه معاناة المشاق العظيمة، وأقيسهما عند الإمام: الصحة; لأن التحصيل ممكن، وقد التزمه المسلم إليه .

ولو أسلم إليه في شيء ببلد لا يوجد في غيره، قال في النهاية: إن كان قريبا منه صح، وإن كان بعيدا لم يصح .

ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل، فلا بأس بانقطاعه قبله أو بعده. وعند أبي حنيفة: عموم الوجود من وقت العقد إلى المحل حتى لو كان منقطعا بين ذلك لا يجوز. وحد الانقطاع عنده: أن لا يوجد في الأسواق، وإن كان يوجد في البيوت. واحتج الشافعي بالحديث المذكور في أول الباب، وهو أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، والثمار لا تبقى هذه المدة، بل تنقطع. واحتج أبو حنيفة بما رواه الشيخان، من حديث أنس، ونصه: نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي، قالوا: وما تزهي؟ قال: تحمر، وقال: إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ وروى الشيخان أيضا من حديث ابن عمر: نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع. وفي رواية: حتى تبيض، وتأمن العاهة. وهذا النص على أنه لا يجوز في المنقطع في الحال، أو في المآل. وقوله: فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ وهو رأس مال السلم، يدل عليه; لأن احتمال بطلان البيع بهلاك المبيع قبل القبض لا يؤثر في المنع من البيع; ولأن القدرة على التسليم حال وجوبه شرط لجوازه، وفي كل وقت بعد العقد يحتمل وجوبه موت المسلم إليه; لأن الديون تحل بموت من عليه الدين، فيشترط دوام وجوده; لتدوم القدرة على التسليم; لأن جوازه على خلاف القياس، فيجب الاحتراز فيه عن كل خطر يمكن وقوعه; لأن المحتمل في باب السلم كالواقع; ولأن القدرة على التسليم بالتحصيل في المدة، ولا بد من استمرار الوجود فيها; ليتمكن من التحصيل. هذا كلام أصحابنا في هذا الشرط .

(فإن كان الغالب وجوده وقت المحل) أي: لو أسلم في شيء عام الوجود عند المحل (وعجز عن التسليم بسبب آفة) عرضت له، علم بها انقطاع الجنس لذي المحل (فله أن يمهله إن شاء، ولا يفسخ) العقد (ويرجع في رأس المال إن شاء) ; لتحقق العجز في الحال، وعلى هذا القول يثبت الخيار. وأظهرهما: لا; لأنه لم يجئ وقت التسليم، وكذا إذا انقطع عند المحل بجائحة، فقولان: أحدهما: ينفسخ العقد، كما [ ص: 457 ] لو تلف المبيع قبل القبض. وأصحهما، وبه قال أبو حنيفة: لا يفسخ: لأن المسلم فيه يتعلق بالذمة، فأشبه ما إذا فلس المشتري بالثمن، لا ينفسخ العقد، ولكن البائع بالخيار; لأن العقد ورد على مقدور في الظاهر; لعروض الانقطاع، كإباق المبيع، وذلك لا يقتضي إلا الخيار، وكذا هنا المسلم يتخير بين أن يفسخ العقد، أو يصبر إلى وجود المسلم فيه، ولا فرق في جريان القولين بين أن لا يوجد المسلم فيه عند المحل أصلا، وبين أن يكون موجودا، فلم يستوف المسلم إليه حتى ينقطع، وعن بعض الأصحاب: إن القولين في الحالة الأولى، أما في الثانية فلا ينفسخ العقد بحال; لوجود المسلم فيه، وحصول القدرة، فإن أجاز ثم بدا له، مكن من الفسخ، كزوجة المولى إذا رضيت بالمقام ثم ندمت .

وممن قال بفسخ العقد في الصورة الأولى، واسترداد ماله للعجز عن تسليمه: زفر من أصحابنا، ونظره بهلاك المبيع قبل القبض .




الخدمات العلمية