الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الركن الثالث : لفظ العقد ، فلا بد من جريان إيجاب وقبول متصل به بلفظ دال على المقصود مفهم إما صريح ، أو كناية ، فلو قال : أعطيتك هذا بذاك ، بدل قوله : بعتك ، فقال قبلته جاز ، مهما قصدا به البيع لأنه ، قد يحتمل الإعارة إذا كان في ثوبين ، أو دابتين ، والنية تدفع الاحتمال ، والصريح أقطع للخصومة ، ولكن الكناية تفيد الملك ، أيضا والحل ، فيما يختاره

التالي السابق


(الركن الثالث: لفظ العقد، فلا بد من جريان إيجاب وقبول) تقدم أن المصنف ذكر في الوسيط، زيادة بعد قوله: وصيغة العقد، فلا بد منها لوجود صورة العقد. هذا لفظه، وقد بحث فيه الرافعي، فقال: لك أن تقول: إن كان المراد أنه لا بد من وجودها لتدخل صورة العقد في الوجود، والزمان، والمكان، وكثير من الأمور بهذه المثابة، فوجب أن تعد أركانا، وإن كان المراد أنه لا بد من حضورها في الذهن ليتصور البيع، فلا نسلم أن العاقد، والمعقود عليه، بهذه المثابة; وهذا لأن البيع فعل من الأفعال، والفاعل لا يدخل في حقيقة الفعل، ألا ترى أنا إذا عددنا أركان الصلاة، والحج، لم نعد المصلي، والحاج، في جملتها، وكذلك مورد الفعل، بل الأشبه أن الصيغة أيضا ليس جزأ من حقيقة فعل البيع، ألا ترى أنه ينتظم أن يقال: هل المعاطاة بيع أم لا؟ ويجيب عنه مسئول بلا، وآخر بنعم، والوجه أن يقال: البيع: مقابلة مال بمال، وما أشبه ذلك فيعتبر في صحته أمور، منها: الصيغة، ومنها: كون العاقد بصفة كيت، وكيت، ومنها: كون المعقود عليه كذا، وكذا .

ثم أحد الأركان، وهو الثالث على ما ذكره، وهو الصيغة، وهي الإيجاب من جهة البائع، والقبول من جهة المشتري، وتتعلق بالصيغة مسائل: إحداها: يشترط أن لا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول، ولا يتخللها كلام أجنبي عن العقد، وإليه أشار المصنف، بقوله: (متصل به) فإن طال، أو تخلل، لم ينعقد، سواء تفرقا عن المجلس، أم لا .

ولو مات المشتري بعد الإيجاب، وقبل القبول، ووارثه حاضر، فقبل، فوجهان: عن الداركي: أنه يصح. والأصح: المنع .

(بلفظ دال على المقصود مفهم) كأن يقول البائع: بعت، أو شريت، أو ملكتك، وفي ملكت وجه منقول عن الحاوي، وأن يقول المشتري: قبلت، ويقوم مقامه ابتعت، واشتريت، وتملكت، ويجري في تملكت مثل ذلك الوجه، وإنما جعل قوله ابتعت وما بعده قائما مقام القبول، ولم نجعله قبولا; لما ذكر إمام الحرمين، من أن القبول على الحقيقة: ما لا يتأتى الابتداء به، فأما إذا أتى بما يتأتى الابتداء به فقد أتى بأحد شقي العقد، ولا فرق بين أن يتقدم قول البائع: بعت، على قول المشتري: اشتريت، وبين أن يتقدم قول المشتري: [ ص: 441 ] اشتريت، ويصح البيع في الحالتين، ولا يشترط اتفاق اللفظين، بل لو قال البائع: بعتك، فقال المشتري: أو ابتعت، أو قال البائع: ملكتك، فقال المشتري: اشتريت، صح; لأن المعنى واحد .

ثم إن المصنف ذكر في الوجيز، بعد قوله: وهو الإيجاب، والقبول، اعتبر للدلالة على الرضا الباطن، قال الرافعي: يريد به أن المقصود الأصلي، هو الرضا; لئلا يكون واحد منهما آكلا مال الآخر بالباطل، بل يكونان تاجرين عن تراض، إلا أن الرضا أمر باطني يعسر الوقوف عليه، فنيط الحكم باللفظ الظاهر (إما صريح، أو كناية، فلو قال: أعطيتك هذا بذاك، بدل قوله: بعتك، فقال: قبلت، جاز، مهما قصد به البيع، فإنه قد يحتمل الإعارة إذا كان في ثوبين، أو دابتين، والنية ترفع الاحتمال، والصريح أقطع للخصومة، ولكن الكناية تفيد الملك، والحمل أيضا، فيما يختاره) وعبارته في الوجيز: وينعقد البيع بالكناية مع النية، كالكتابة، والخلع، بخلاف النكاح، فإنه مقيد بتعبد الشهادة. هذا لفظه، قال الرافعي: كل تصرف يشتغل به الشخص، كالطلاق، والعتاق، والإبراء، فينعقد بالكنايات مع النية انعقاده بالصرائح .

وما لا يشتغل به الشخص، بل يفتقر إلى الإيجاب والقبول، فهو على ضربين: أحدهما: ما يفتقر إلى الإشهاد، كالنكاح، وكبيع الوكيل إذا شرط الموكل عليه الإشهاد، فهذا لا ينعقد بالكناية; لأن الشهود لا يطلعون على القصود، والنيات، والإشهاد على العقد لا بد منه. والثاني: ما لا يفتقر، فهو أيضا على ضربين: أحدهما: ما يقبل مقصوده التعليق بالإغراء، كالكتابة، والخلع، فينعقد بالكناية مع النية. والثاني: ما لا يقبل، كالبيع، والإجارة، وغيرهما، وفي انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان: أحدهما: لا ينعقد; لأن المخاطب لا يدري بم خوطب. وأظهرهما: أنه ينعقد، كما في الكتابة، والخلع، وقال إمام الحرمين: والخلاف في أن البيع، ونحوه، هل ينعقد بالكناية مع النية؟ مفروض فيما إذا انعدمت قرائن الأحوال، فأما إذا توفرت، وأفادت التفاهم، فيجب القطع بالصحة، وفي البيع المقيد بالإشهاد ذكر المصنف في الوسيط: أن الظاهر انعقاده عند توفر القرائن، قال شارحه، محمد بن يحيى، تلميذ المصنف، بعد قوله: وعندي: أنه يكتفى به، وإن لم ينو فيه الإيجاب، هذا إنما يصح بينه وبين الله تعالى، أما في الظاهر، فلا بد من لفظ صريح، يفزعان إليه عند الخصام .

ومن فروع هذه المسألة: لو كتب إلى غائب بالبيع، ونحوه، فالشرط أن يقبل المكتوب إليه، كما لو اطلع على الكتاب، على الأصح; ليقترن القبول بالإيجاب، بحسب الإمكان، واختاره المصنف في الفتاوى، قال: وإذا قبل المكتوب إليه، يثبت خيار المجلس، ما دام في مجلس القبول، ويتمادى خيار الكاتب أيضا، إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه، حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه، صح رجوعه، ولم ينعقد البيع، اهـ .

وحكم الكتابة على القرطاس، والرق، واللوح، والأرض، والنقش على الحجر، والخشب، واحد، ولا عبرة برسم الأحرف على الماء، والهواء .

ولو قال بعت داري من فلان، وهو غائب، فلما بلغه الخبر، قال: قبلت، ينعقد البيع; لأن النطق أقوى من الكتابة. وقال أبو حنيفة: لا ينعقد، نعم لو قال: بعت من فلان، وأرسل إليه رسولا بذلك فأخبره فقبل، انعقد، كما لو كاتبه .




الخدمات العلمية