الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التاسع : أن لا يسلم في شيء نفيس عزيز الوجود ، مثل درة موصوفة يعز وجود مثلها أو جارية حسناء معها ولدها ، أو غير ذلك ، مما لا يقدر عليه غالبا .

التالي السابق


(التاسع: أن لا يسلم في شيء نفيس عزيز الوجود، مثل درة موصوفة يعز وجود مثلها) وهذا الشرط أيضا ذكره المصنف في الوجيز استطرادا، وقد سبق أن السلم فيما يندر وجوده لا يجوز; لأنه عقد غرر، فلا يحتمل إلا فيما يوثق بتسليمه، ثم الشيء قد يكون نادر الوجود [ ص: 458 ] من حيث جنسه، كلحم الصيد في موضع العزة، وقد لا يكون كذلك إلا أنه بحيث إذا ذكرت الأوصاف التي بينا أنه يجب التعرض لها عز وجوده; لندرة اجتماعها، وفي هذا القسم صورتان، أحدهما: لا يجوز السلم في اللآلئ، واليواقيت، والزبرجد، والمرجان; لأنه لا بد فيها من التعرض للحجم، والشكل، والوزن، والصفاء; لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف، واجتماع المذكور فيها نادر .

ويجوز في اللآلئ الصغار إذا علم وجودها كيلا، ووزنا، وضابطه: أن ما وزنه سدس دينار يجوز السلم فيه، قال أبو محمد الجويني: وهذا الاعتبار تقريب .

والثانية: ما أشار إليه المصنف بقوله: (أو جارية حسناء معها ولدها، أو غير ذلك، مما لا يقدر عليه غالبا) كجارية وأختها، أو عمتها، أو شاة وسخلتها، فإن السلم فيها لا يجوز; لأن اجتماع الجارية الموصوفة بالصفات المشروطة، والولد المشروط بالصفات المشروطة نادر، هكذا أطلقه الشافعي، وعامة الأصحاب، وفصل الإمام فقال: لا يمتنع ذلك في الزنجية التي لا تكثر صفاتها، ويمتنع في السرية التي تكثر صفاتها; ولهذا قيد المصنف الجارية بالحسناء;ليخرج الزنجية; نظرا إلى تفصيل شيخه، وفرعه على أن الصفات التي يجب التعرض لها تختلف باختلاف الجواري، ولم يفصل الأئمة القول فيه، لكن في منع السلم إشكال على الإطلاق; لأنهم حكوا عن نصه: أنه لو شرط كون العبد كاتبا، أو الجارية ماشطة جاز، ولمدع أن يدعي ندرة اجتماع صفة الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض لها، بل قضية ما أطلقوه تجويز السلم في عبد، وجارية، بشرط كون هذا كاتبا، وتيك ماشطة، وكما يندر كون أحد الرقيقين ولد الآخر، مع اجتماع الصفات المشروطة فيهما، كذلك يندر كون أحدهما كاتبا والآخر ماشطا، مع اجتماع تلك الصفات، فليسووا بين الصورتين في المنع، والتجويز .

ولو أسلم في جارية وشرط كونها حاملا، فطريقان، أظهرهما: المنع، وعللوا بأن اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة نادر، وهذا يؤيد الإشكال الذي ذكرناه .

والثاني، وبه قال أبو إسحاق، وأبو علي الطبري، وابن القطان: أنه على قولين، بناء على أن الحمل له حكم أم لا؟ وإن قلنا نعم، جاز، وإلا فلا; لأنه لا يعرف حصوله .

ولو شرط كون الشاة المسلم فيها لبونا، فقولان منصوصان، وقد ذهب الشيخ أبو حامد إلى ترجيح قول الجواز، لكن قضية ترجيح قول الجواز كما في أظهر القولين في صورة الحل يقتضي ترجيح المنع فيها أيضا، وبه أجاب صاحب التهذيب، والله أعلم .




الخدمات العلمية