الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسمك في الماء

التالي السابق


ثم قال المصنف: (والسمك في الماء) أي: ويجوز بيع السمك وهو في الماء، وكذا بيع الطير وهو في الهواء، وإن كان مملوكا له; لما فيه من الغرر .

ولو باع السمك في بركة لا يمكنه الخروج منها، نظر، إن كانت صغيرة يمكن أخذها من غير مشقة، صح بيعها; لحصول القدرة. وإن كانت كبيرة يمكنه أخذها إلا باحتمال تعب شديد، ففيه وجهان، أوردهما ابن سريج، في جامعه الصغير، وأظهرهما: المنع، وبه قال أبو حنيفة، كبيع الآبق، فإنه غرر، وقد نهي عنه، وهذا كله فيما إذا لم يمنع الماء رؤية السمك، فإن منع الرؤية فهو على قولي بيع الغائب، إلا أن لا يعلم قلة السمك، وكثرتها، وشيئا من صفائها، فيبطل لا محالة، وبيع الحمام في البرج، على التفصيل المذكور في البركة .

ولو باعها وهي طائرة، اعتمادا على عادة عودها بالليل، ففيه وجهان، أصحهما عند الإمام: الصحة، كبيع العبد المبعوث في شغل. وأظهرهما: ما ذكره المصنف في الوجيز، المنع، وبه قال الأكثرون; إذ لا قدرة في الحال، وعودها غير موثق به; إذ ليس له عقل باعث، والله أعلم .

وقال أصحابنا: لا يجوز بيع السمك قبل الاصطياد; لما نهي عن بيع الغرر; ولأنه باع ما لا يملكه، فلا يجوز، ثم هو على وجهين: فإما أن يبيعه قبل أن يأخذه، أو بعده، فإن باعه قبل الأخذ، لا يجوز، [ ص: 432 ] وإن أخذه ثم ألقاه في الحظيرة، فإن كانت الحظيرة كبيرة، بحيث لا يمكن أخذه إلا بحيلة، لا يجوز; لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه، فلو سلمه بعد ذلك، ينبغي أن يكون على الروايتين اللتين في بيع الآبق، بناء على أنه باطل، أو فاسد. وإن كانت صغيرة، بحيث يمكن أخذه بغير حيلة، جاز; لأنه باع ملكه، وهو مقدور التسليم، ويثبت للمشتري خيار الرؤية عند التسليم له، ولا يعتد برؤيته وهو في الماء; لأن السمك يتفاوت في الماء، وخارجه، وكذا لو دخل السمك الحظيرة باحتيال، بأن يسد عليه فوهة النهر، أو سد موضع الدخول، حتى لا يمكنه الخروج، على هذا التفصيل; لأنه لما احتبس فيه باحتمال، صار آخذا له، وملكه، بمنزلة ما لو ألقاه فيه، وقيل: لا يجوز; لأن هذا القدر ليس بإحراز له، فصار كطير دخل البيت، فأغلق عليه الباب، وهذا الخلاف فيما إذا لم يهيئ الخطيرة بنفسه، من غير صنعة، ولم يسد عليه المدخل، لا يجوز بيعه، سواء أمكنه الأخذ بغير حيلة، أم لا; لأنه لم يملكه .

وأما كلام أصحابنا في عدم جواز بيع الطير في الهواء; فلأنه غير مملوك له قبل الأخذ، وبعده، غير مقدور التسليم، وهذا إذا كان يطير ولا يرجع. وإن كان له وكر عنده يطير منه في الهواء ثم يعود إليه، جاز بيعه; لأنه يمكن أخذه من غير حيلة، وإن لم يكن إلا بحيلة، لا يجوز; لعدم القدرة على التسليم .

ولو أخذه وسلمه ينبغي أن يكون فيه روايتان، كما ذكر في الآبق .

ولو اجتمع في أرضه الصيد فباعه من غير أخذه، لا يجوز; لأنه لم يملكه، ولهذا لو باض فيها صيد، أو تكدس، أو تكسر، يكون لمن أخذه; لعدم ملكه إياه، بخلاف ما إذا عسل فيها النحل، حيث يملكه; لأن العسل قائم بأرضه على وجه القرار، كالأشجار، ولهذا وجب في العسل العشر، إذا كان في أرض العشر، كالثمار، وهذا إذا لم يهيئ أرضه لذلك، فإن هيأها له بأن حفر فيها بئرا للاصطياد، ونصب شبكة، فدخل فيها صيد، أو تعقد به ملكه; لأن التهيئة أحد أسباب الملك، ألا ترى أنه لو حط طستا ليقع فيه المطر، فوقع فيه، ملكه، وكذا لو بسط ذيله عند النشار، ليقع الشيء المنشور، ملكه بالوقوع فيه .

وفي النهاية: لو دخل الصيد داره، فأغلق عليه الباب، كان الصيد له، ولم يحك فيه خلافا، وعلى قياس ما ذكر في الكافي، لا يكون له، وقد يجوز أن يكون في المسألة روايتان، وإلا فلا فرق بينهما، والله أعلم .




الخدمات العلمية