الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا رأيت في المسجد من يبيع أو يبتاع فقل : لا أربح الله تجارتك ، وإذا رأيت من ينشد ضالة في المسجد فقل : لا ردها الله عليك ، أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم

التالي السابق


( فإذا رأيت في المسجد من يبيع فيه أو يبتاع) أي: يشتري ( فقل: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيت من ينشد) أي: يطلب ( ضالة في المسجد فقل: لا رد الله عليك، أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

قال العراقي: حديث "لا أربح الله" رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، والنسائي في اليوم واللية من حديث أبي هريرة، وحديث: "لا رد الله عليك" رواه مسلم من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: حديث الضالة رواه مسلم، عن زهير بن حرب، ورواه أبو داود، عن عبيد الله القواريري، كلاهما عن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن حيدة بن شريح، قال: سمعت أبا الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سمع رجلا ينشد الضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا".

وأخرجه الفاكهي في تاريخ مكة، عن ابن أبي ميسرة، عن المقرئ .

وأخرجه مسلم أيضا وابن حبان من رواية عبد الله بن وهب، عن حيوة.

وفي الباب عن بريدة الأسلمي وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعصمة وابن مسعود رضي الله عنهم:

أما حديث بريدة: فأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن أبي هناد، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: "أن رجلا قام في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا وجدت؛ فإنما بنيت المساجد لما بنيت" والمعنى: من يعرف الجمل فدعا صاحبه .

وأخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وقد رواه سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد بلفظ: "من يعرف الجمل الأحمر" أخرجه مسلم، عن حجاج بن الشاعر، عن عبد الرزاق، عن الثوري.

وأما حديث أنس: فأخرجه النسائي، عن إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه، قال: قلت لأبي قرة: أذكر موسى بن عقبة، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس أن رجلا دخل المسجد ينشد ضالة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا وجدت" فأقر به أبو قرة، وقال: نعم. وهو في مسند إسحاق بن راهويه هكذا .

وأخرجه البزار من وجه آخر عن عمرو بن أبي عمرو.

وأما حديث جابر: فأخرجه النسائي، عن محمد بن وهب بن أبي كريمة، عن محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي الزبير عن جابر قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - [ ص: 93 ] رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال: "لا وجدت".

وأما حديث سعد: فأخرجه البزار، وهو بنحو حديث أنس، وأما حديث عصمة فأخرجه الطبراني، ولفظه: "قولوا: لا ردها الله عليك".

وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو العباس السراج، عن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان قال: "سمع ابن مسعود رجلا ينشد ضالة في المسجد، فغضب وسبه، فقال له الرجل: ما كنت فاحشا! فقال: بهذا أمرنا".

وأخرجه ابن خزيمة في الصحيح من طريق محمد بن فضيل بهذا السند .

وأخرجه البزار من وجه آخر، عن عاصم الأحول، وقال في آخره: "بهذا أمرنا إذا وجدنا من ينشد ضالة في المسجد، أن نقول له: لا وجدت".

وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمرو، وثوبان جد محمد بن عبد الرحمن، وسيذكره قريبا .

وأما حديث: "لا أربح الله" فقال الدارمي: حدثنا الحسن بن أبي يزيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، حدثنا يزيد بن حقيقة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا أداها الله لك" أخرجه الترمذي عن الحسن بن علي الخلال، عن عارم.

وأخرجه النسائي، عن إبراهيم بن يعقوب، عن علي بن المديني.

وأخرجه ابن خزيمة، عن أبي خليفة، عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجيمي، أربعتهم عن عبد العزيز بن محمد وهو الدراوردي.

وأخرجه ابن حبان، عن ابن خزيمة، والحاكم من رواية عارم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

ورواه ابن السني، والطبراني فقال: عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا: فض الله فاك، ثلاث مرات، ومن رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، ثلاث مرات" هذا الحديث غريب، تفرد بوصله محمد بن حميد، عن عباد بن كثير، عن يزيد بن حقيقة .

وقد رواه أبو خيثمة الجمعي، عن عباد بن كثير، لكن لم يقل: عن جده، والآفة فيه من عباد، وهو ضعيف جدا، وقد خالف فيه الدراوردي وهو ثقة، وسنده هو المعروف .

وأخرجه ابن خزيمة في الصحيح عن بندار، ويعقوب بن إبراهيم.

وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن حسيلة قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البيع والشراء في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة".

وأخرجه أصحاب السنن من طرق، عن محمد بن عجلان، وثوبان المذكور أولا ليس هو المشهور، بل هو آخر لا يعرف إلا في هذا الإسناد، ولا روى عن عبد الرحمن بن ثوبان إلا ابنه محمد، فهو في عداد المجهولين، والله أعلم .




الخدمات العلمية