الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة ، فتسليم البائع إذن في الأكل ، يعلم ذلك بقرينة الحال كإذن الحمامي في دخول الحمام والإذن في الإطعام لمن يريده المشتري فينزل منزلة ما لو قال : أبحت لك أن تأكل هذا الطعام أو تطعم من أردت ، فإنه يحل له ولو صرح وقال : كل هذا الطعام ثم اغرم ، لي عوضه لحل ، الأكل ، ويلزمه الضمان بعد الأكل ، هذا قياس الفقه عندي ولكنه بعد المعاطاة آكل ملكه ومتلفا ، له ، فعليه الضمان وذلك في ذمته ، والثمن الذي سلمه إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه ، فله أن يتملكه مهما عجز عن مطالبة من عليه ، وإن كان قادرا على مطالبته فإنه لا يتملك ما ظفر به من ملكه ; لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه ، فعليه المراجعة .

وأما ههنا فقد ، عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم ، فلا يبعد أن يجعل الفعل دلالة على الرضاء ، بأن يستوفي دينه مما يسلم إليه ، فيأخذه بحقه لكن على كل الأحوال جانب البائع أغمض لأن ما أخذه قد يريد المالك ليتصرف فيه ولا يمكنه التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري ثم ربما يفتقر إلى استئناف قصد التملك ، ثم يكون قد تملك بمجرد رضا استفاده من الفعل دون القول .

وأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين فإن ذلك يباح بالإباحة المفهومة من قرينة الحال ، ولكن ربما يلزم من مشاورته أن الضيف يضمن ما أتلفه وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري ، فيسقط ، فيكون كالقاضي دينه ، والمتحمل عنه ، فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على غموضها والعلم عند الله ، وهذه احتمالات ، وظنون رددناها ، ولا يمكن بناء الفتوى إلا على هذه الظنون ، وأما الورع فإنه ينبغي أن يستفتي قلبه ويتقي مواضع الشبه .

التالي السابق


(وكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة، فتسليم البائع) لمشتريه (إذن في الأكل، إذن في الإطعام، لمن يريده المشتري، يعلم ذلك بقرينة الحال) الدالة عليه (كإذن الحمامي في دخول الحمام) لمن أراد الدخول فيه (فينزل منزلة ما لو قال: أبحت لك أن تأكل هذا الطعام) أنت (أو تطعمه من أردت، فإنه يحل له) ذلك .

(ولو صرح) له (وقال: كل هذا الطعام، واغرم لي عوضه، يحل الأكل، ويلزمه الضمان) لما أكله (بعد الأكل، كل هذا قياس الفقه عندي) مما تقتضيه قواعد المذهب (ولكنه بعد المعاطاة آكل ملكه، ومتلف له، فعليه الضمان) بعد الأكل; لإتلافه (وذلك) مرتب (في ذمته، والثمن الذي سلمه) المشتري للبائع (إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه، فله أن يتملك مهما عجز عن مطالبة من عليه، وإن كان قادرا على مطالبته فإنا لا نجعل ما ظفر به من ملكه; لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه، فعليه المراجعة، وأما ههنا، قد عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم، فلا يبعد أن يجعل الفعل دلالة على الرضا، بأن يستوفي دينه مما سلم إليه، فيأخذه بحقه) .

وقد ألم الرافعي في شرح الوجيز بهذا البحث، بعد أن ذكر عن ابن سريج، تخريج قول الشافعي، في جواز المعاطاة، ما نصه: وإذا قلنا بظاهر المذهب، فما حكم الذي جرت العادة فيه من الأخذ والإعطاء؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه أباحه، وبه أجاب القاضي أبو الطيب، حين سأله ابن الصباغ عنه، قال: فقلت له: لو أخذ بقطعة ذهب شيئا فأكله، ثم عاد فطالبه بالقطعة، هل له ذلك؟ قال: لا، قلت: فلو كان أباحه لكان ذلك؟ قال: إنما أباح كل واحد منهم بسبب إباحة الآخر له، قلت: فهو إذا معاوضة. وأصحهما: أن حكمه حكم المقبوض، كسائر العقود، فلكل واحد منهم مطالبة الآخر بما سلمه إليه، ما دام باقيا، وبضمانه إن كان تالفا، فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل [ ص: 446 ] القيمة، فقد قال المصنف في الإحياء: هذا مستحق ظفر بمثل حقة، والمالك راض، فله تملكه لا محالة، وعنالشيخ أبي حامد: أنه لا مطالبة لواحد منهما على الآخر، وتبرأ ذمتهما بالتراضي، وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة، فإنه لا يراه وإن وجد التراضي، اهـ كلام الرافعي.

ثم قال المصنف: (لكن على كل الأحوال جانب البائع أغمض) وأدق; (لأن ما أخذه) عوض طعامه (فقد يريد يتصرف فيه ولا يمكنه التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري) بأكل، أو إطعام، أو نحو ذلك (ثم ربما يفتقر إلى استئناف قصد التملك، ثم يكون قد تملك بمجرد رضا استفاده من الفعل دون القول) فهذا معنى كون جانب البائع أغمض (فأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين) سهل (فإن ذلك مباح بالإباحة المفهومة من قرينة الحال، ولكن ربما يلزم من شأن هذا أن الضيف يضمن ما أتلفه) بأكمله (وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري، فيسقط، فيكون كالقاضي دينه، والمتحمل عنه، فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على غموضها) ودقتها (والعلم عند الله تعالى، وهذه احتمالات، وظنون) وقياسات (رددناها، ولا يمكننا الفتوى إلا على هذه الظنون، وأما الورع) المتدين (فينبغي) في هذه وأمثالها (أن يستفتي قلبه) ويرجع إليه (ويتقي مواضع الشبه) ويقطع الشك باليقين .




الخدمات العلمية