الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أكل في يوم سبع تمرات عجوة قتلت كل دابة في بطنه ومن أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمرا لم ير في جسده شيئا يكرهه واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب والبسقارجات تعظم البطن وترخي الأليتين ولحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء

التالي السابق


(و) بالسند السابق في "القوت " إلى أمير المؤمنين قال: (من أكل كل يوم سبع تمرات عجوة) .... منصوب على أنه صفة أو عطف بيان لتمرات (قتلت كل دابة في بطنه) ولفظ " القوت ": ومن أكل يوما والباقي سواء. قال الزمخشري في الفائق: العجوة تمر بالمدينة من غرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وظاهر قول أمير المؤمنين خصوصية عجوة المدينة، وقيل: أراد العموم. وقال السيد السمهودي في تاريخ المدينة: لم يزل الناس على التبرك بالعجوة وهو النوع المعروف الذي يؤثره الخلف عن السلف بالمدينة، ولا يرتابون في تسميته بالعجوة .

وقد روي عن بريدة مرفوعا: " العجوة من فاكهة الجنة ". ويروى عن أبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عباس رفعوه: " العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم ". وروى أحمد والشيخان وأبو داود من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه رفعه: " من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر ". وقوله: " قتلت كل دابة في بطنه " أي: لخاصية فيها، كما أن من خواصها دفع السم والسحر، وهذه فائدة شرعية طبية، فإن الحكماء لم يذكروا في خواص التمور قتل الديدان من البطن ولا دفع السم والسحر، وقد وجدت لقول علي شاهدا من حديث ابن عباس في المرفوع، لا ينهض للعدد فيه، قال ابن عدي: حدثنا الحسين بن محمد بن عفير، أنبأنا شعيب بن سلمة، حدثنا عصمة بن محمد بن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس رفعه: كلوا التمر على الريق، فإنه قتل الدود.

قال ابن الجوزي: لا يصح عصمة كذاب، وتخصيص العدد أيضا لخاصية فيه ليست في غيره من الأعداد لكون السبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه؛ إذ العدد شفع ووتر، والوتر أول وثان، والشفع كذلك فهذه أربع مراتب أول وثان ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب من أقل من سبعة، وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة: الشفع والوتر والأوائل والثواني، والمراد بالوتر الأول الثلاثة وبالثاني الخمسة وبالشفع الأول الاثنان، والثاني الأربعة، وللأطباء اعتناء عظيم بالسبعة سيما في البحارين وقال بقراط: كل شيء في هذا العالم مقدر على سبعة أجزاء، وشرط الانتفاع بهذا وما أشبهه حسن الاعتقاد وتلقيه بالقبول، والله أعلم .

(و) بالسند المتقدم إلى أمير المؤمنين في "القوت " قال و (من أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمراء لم ير في جسده شيئا يكرهه) أي: من الآلام والأمراض، والزبيب نسبة إلى العنب نسبة التين اليابس إلى الطري، وهو أغذى من العنب، وقيدها بالحمراء لكونها أجود أنواعها لاسيما إذا كانت لحيمة مكثرة صادقة الحلاوة رقيقة القشر، والأولى أن يؤكل بعد نزع عجمه، وهو مقو للمعدة والكبد وخصوصا إذا أكل ومضغ جيدا بعجمه جيد لوجع الأمعاء ويخصب البدن ويسمن، وله قوة ينفخ ويحلل تحليلا معتدلا .

وروى أبو نعيم في الطب النبوي عن علي -رضي الله عنه- مرفوعا: عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة، ويذهب بالبلغم، ويشد العصب، ويذهب بالعباءة، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب بالهم، وتخصيصه بهذا العدد لأنه من ضرب سبعة في ثلاثة، ولما كان أضعف غذاء من التمر روعي فيها تضعيف العدد ثلاثا، (و) بالسند المتقدم في "القوت " إلى أمير المؤمنين قال: (واللحم ينبت اللحم) أي: أكله ينبت لحم الجسد ويسمن، والمراد به مطلق اللحم من الضأن الحولي والفحولي والأجدية والدجاج والقبج والطبهوج والدراج والأرز وفراخ الحمام النواهض، ثم إن اللحوم أقوى أنواع الأغذية قريب الاستحالة إلى الدم، ولذلك صارت الحيوانات التي تغتذي منها أقوى وأشد صولة وقهرا لما يغالبه، وكذلك الأمم التي جرت عادتهم من الاستكثار غير أن هضمها يصعب إلا على من كانت القوة الهاضمة منه قوية، وهي من أغذية الأصحاء الأقوياء أصحاب الكد والتعب، ولا يحتمل إدمانها غيرهم لأنها يتولد منها دم منتن صحيح كثير، وذلك لأن اللحم متولد من الدم وهو دم، وإذا قدرت القوة الهاضمة على استمرائه عاد أكثر دما، وقلت الفضلة اليابسة التي تخرج منه؛ لأن عامة ما في اللحم يصير غذاء بخلاف الحبوب، ولذلك قيل: إن اللحم ينبت اللحم، وإن اللحم أقل الطعام نجوا. وقد روي هذا مرفوعا قال الديلمي في مسند الفردوس: [ ص: 266 ] أخبرنا أبي، أخبرنا أبو إسحاق الرازي ، حدثنا محمد بن أحمد الحافظ ببخارى، حدثنا خلف الخيام، حدثنا أبو بكر محمد بن سعيد بن عامر، حدثنا رجاء بن مقاتل، حدثنا سليمان بن عمرو النخعي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي رفعه: " اللحم ينبت اللحم، ومن ترك اللحم أربعين يوما ساء خلقه ". سليمان النخعي كذاب (و) بالسند المتقدم في "القوت " إلى أمير المؤمنين قال: (الثريد طعام العرب) الثريد فعيل بمعنى مفعول، وقد تقدم أنه عبارة عن خبز يلت في مرقة، وقد يكون معه لحم، وهو أسهل الأطعمة وأخفها وألذها وأسرعها وألطفها كيموسا، وقد كانت العرب قاطبة من قديم الزمان إلى وقتنا هذا لا يأكلون غالبا إلا منه وهو الأصل في الأطعمة، وما عداه تابع له، ولهذه الأوصاف الجليلة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه كثيرا، فقد روى أبو داود والحاكم من حديث ابن عباس: " كان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز والثريد من الحيس ". وأمر به -صلى الله عليه وسلم- تنويها لشأنه فقال: " أثردوا ولو بالماء " رواه الطبراني في الأوسط عن أنس، (و) بالسند المتقدم في "القوت " إلى أمير المؤمنين قال: (البسقارجات) بكسر الموحدة وسكون السين المهملة لفظة فارسية معناها مرقة اللحم والدجاج، والمراد منها ما يطبخ في أمراقهما من اللحم بأن يقطع اللحم أقطاعا متوسطة أو الدجاج على مفاصله ويقلى ويترك بعد غليانه زمانا لينشف، ثم يسلق بالبصل والجزر والكراث، ثم يخرج من مائه وقد زالت عنه اللزوجة، فيغسل بالماء البارد، ثم يغلى بالأبازير والبقول غليانا جيدا، ثم يطرح اللحم أو الدجاج والتوابل، ويكون وقودها على سكون، ويحلى بالسكر ويصبغ بالزعفران (تعظم البطن) أي: تورث فيه ضخامة إذا أدمن على أكلها (وترخي الأليتين) مثنى الألية بفتح الهمزة أي: تكثر لحمها لخاصية فيها (و) بالسند المتقدم في "القوت " إلى أمير المؤمنين قال: (لحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء) ، وهذا قد روي مرفوعا من حديث مليكة بنت عمرو الجعفية: " ألبان البقر شفاء وسمنه دواء ولحومها داء "، رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي ، وفي سند البيهقي ضعف، وعن ابن مسعود مرفوعا: " عليكم بألبان البقر فإنها ترم من أكل الشجر، وهو شفاء من كل داء " رواه الحاكم ، وعنه أيضا: " عليكم بألبان البقر فإنها دواء وأسمانها فإنها شفاء، وإياكم ولحومها فإن لحومها داء "، رواه ابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي، وفيهما أيضا من حديث صهيب مرفوعا: " عليكم بألبان البقر فإنها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء "، وإنما قال: لحم البقر داء لأنه من أغذية أصحاب الكد عسر الانهضام، يولد دما عكرا سودانيا، ويولد أمراضا سودانية كالبهق والسرطان والقوبا الجرب والجذام وداء النيل والدوال والوسواس وحمى الربع وغلط الطحال، وأما لبنه فإنه شفاء الأمراض السودانية والغم والوسواس ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق البطن باعتدال، وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من نحو سم ولدغ حية وعقرب، وأما سمنه فإنها ترياق السموم المشروبة، وهو أقوى من غيره من السمون .




الخدمات العلمية