الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس : أن يكون المبيع معلوم العين ، والقدر ، والوصف أما العلم بالعين : فبأن يشير إليه بعينه ، فلو قال : بعتك شاة من هذا القطيع ، أي شاة أردت ، أو ثوبا من هذه الثياب التي بين يديك ، أو ذراعا من هذا الكرباس ، وخذه من أي جانب شئت ، أو عشرة أذرع من هذه الأرض ، وخذه من أي طرف شئت ، فالبيع باطل وكل ذلك مما يعتاده المتساهلون في الدين ، إلا أن يبيع شائعا ، مثل أن يبيع نصف الشيء ، أو عشره ، فإن ذلك جائز .

التالي السابق


(الخامس: أن يكون المبيع) معلوما; ليعرف أن ما الذي ملك بإزاء ما بذل، فينتفي الغرر، ولا شك أنه لا يشترط العلم به من كل وجه، فبين المصنف ما يعتبر العلم به، وهو ثلاثة أشياء، بقوله: (معلوم العين، والقدر، والوصف) أي: عين المبيع، وقدره، وصفته (أما العلم بالعين: فبأن يشير إليه بعينه، فلو قال: بعتك) عبدا من العبيد، أو أحد عبيدي هؤلاء (أو شاة من هذا القطيع، أي شاة أردت، أو ثوبا من هذه الثياب التي بين يديك، أو ذراعا من هذا الكرباس، وخذه من أي جانب شئت، أو عشرة أذرع من هذه الأرض، وخذه من أي طرف شئت، فالبيع باطل) في هذه الصور; لأن المبيع غير متعين فيها .

وكذلك لو قال: بعت عبيدي هؤلاء، إلا واحدا، ولم يعين المستثنى; لأن المبيع غير معلوم، ولا فرق بين أن تتقارب قيم العبيد، والشياه، أو تتباعد، ولا بين عدد من العبيد، وعدد، ولا بين أن يقول: على أن تختار أيهم شئت، أو لا يقول، ولا إذا قال ذلك بين أن يقدر زمان الاختيار، أو لا يقدر .

وعن أبي حنيفة: أنه لو قال: بعتك أحد عبيدي، أو عبيدي الثلاثة، على أن تختار من شئت في ثلاثة وما دونها، يصح العقد. وأغرب المتولي فحكى عن [ ص: 435 ] القديم قولا مثله، ووجهه بأن الشرع أثبت الخيار في هذه المدة بين العوضين، ليختار هذا الفسخ، أو هذا الإمضاء، فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين، وكما تتقدر نهاية ما يتقدر به من الأعيان بثلاثة، قال الرافعي: ولا يخفى ضعف هذا التوجيه، ووجه المذهب: القياس على ما إذا زاد العبيد على ثلاثة، ولم يجعل له الاختيار، أو زاده على الثلث، أو فرض ذلك في الثياب، والدواب، وغير العبيد، من الأعيان، وعلى النكاح، فإنه لو قال أنكحتك إحدى ابنتي، أو بناتي، لا يصح النكاح، فلو لم يكن له إلا عبد واحد، فحضر في جماعة من العبيد، وقال السيد بعتك عبدي من هؤلاء، والمشتري يراهم ولا يعرف عين عبده، فحكمه حكم بيع الغائب، قاله في التتمة. وقال صاحب التهذيب: عندي هذا البيع باطل; لأن المبيع غير متعين، وهو الصحيح .

(وكل ذلك مما يعتاده المتساهلون في الدين، إلا أن يبيع) جزأ (شائعا) من كل جملة معلومة، من أرض، ودار، وعبد، وصبرة، وثمرة، وغيرها (فإنه صحيح، مثل أن يبيع نصف الشيء، أو عشره، فإن ذلك جائز) نعم، لو باع جزأ مشاعا من شيء بمثله من ذلك الشيء، كما إذا كان بينهما نصفين، فباع هذا نصفه بنصف ذاك، فوجهان، أحدهما: لا يصح البيع; لأنه لا فائدة فيه، وأصحهما: الصحة; لاجتماع هذه الشرائط المرعية في العقد .

ولو باع نصفه بالثلث من نصف صاحبه، ففي صحته الوجهان، أصحهما: الصحة، وتصير بينهما ثلاثا، وبهذا قطع صاحب التقريب، واستبعده الإمام، وقد ذكر الرافعي هذه المسألة في كتاب الصلح .

ولو باع الجملة واستثنى منها جزأ شائعا، فهو صحيح أيضا، مثاله: أن يقول: بعتك ثمرة هذا الحائط، بثلاثة آلاف درهم، إلا ما يخص ألفا، وأراد ما يخصه، إذا وزع الثمرة على المبلغ المذكور، صح، وكأنه استثنى الثلث، وإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم فلا; لأنه مجهول .



(فصل)

لو باع ذراعا من أرض، أودار، أو ثوب، ينظر، إن كانا يعلمان جملة ذرعانها، كما إذا باع ذراعا، والجملة عشرة، فالبيع صحيح، وكأنه قال: بعت العشر، قال الإمام: إلا أن يعني معينا، فيفسد، كقوله: شاة من قطيع .

ولو اختلفا فقال المشتري: أردت الإشاعة، فالعقد صحيح، وقال البائع: بل أردت معينا، فمن يصدق؟ احتمالان: قال النووي: أرجحهما: البائع. وإن كانا لا يعلمان، أو أحدهما، ذرعان الدار، والثوب، لم يصح البيع; لأن أجزاء الثوب، والأرض، تتفاوت غالبا في المنفعة، والإشاعة متعذرة. وعن أبي حنيفة: أنه لا يصح البيع، سواء كانت الذرعان مجهولة، أو معلومة، ذهابا إلى أن الذراع اسم لبقعة مخصوصة، فيكون المبيع مبهما .

ولو وقف على طرف الأرض، وقال: بعتك أذرعا، من موقفي هذا، في جميع العرض، إلى حيث ينتهي في الطول، صح البيع في أصح الوجهين .




الخدمات العلمية