الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني : أن يظهر جميع عيوب المبيع ، خفيها وجليها ولا يكتم منها شيئا فذلك واجب فإن أخفاه كان ظالما غاشا والغش حرام وكان تاركا للنصح في المعاملة ، والنصح واجب ومهما أظهر أحسن وجهي الثوب وأخفى الثاني كان غاشا وكذلك إذا عرض الثياب في المواضع المظلمة وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف أو النعل ، وأمثاله ويدل على تحريم الغش : ما روي أنه مر صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فيه فرأى بللا فقال : ما هذا قال ؟ : أصابته السماء فقال : فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟! من غشنا فليس منا .

ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب : ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع جريرا على الإسلام ذهب لينصرف فجذب ، ثوبه واشترط عليه النصح لكل مسلم .

فكان جرير إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر ، عيوبها ، ثم خيره وقال : إن شئت فخذ ، وإن شئت فاترك ، فقيل له : إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال : إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم .

وكان واثلة بن الأسقع واقفا فباع رجل ناقة له بثلاثمائة درهم فغفل ، واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة ، فسعى وراءه ، وجعل يصيح به ، يا هذا أشتريتها ، للحم ، أو للظهر فقال : بل للظهر ، فقال : إن بخفها نقبا قد رأيته وإنها لا تتابع السير فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم ، وقال لواثلة رحمك الله ، أفسدت علي بيعي ، فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا أن يبين آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه .

فقد فهموا من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ولم يعتقدوا أن ذلك من الفضائل وزيادة المقامات بل اعتقدوا أنه من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعتهم ، وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين .

أحدهما : أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه بل يمحقه ويذهب ببركته ، وما يجمعه من مفرقات التلبيسات يهلكه الله دفعة واحدة فقد حكي أن واحدا كان له بقرة يحلبها ويخلط بلبنها الماء ويبيعه ، فجاء سيل فغرق البقرة ، فقال بعض أولاده : إن تلك المياه المتفرقة التي صببناها في اللبن اجتمعت دفعة واحدة ، وأخذت البقرة .

كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعهما .

وفي الحديث : يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده عنهما .

فإذا لا يزيد مال من خيانة كما لا ينقص من صدقة من لا ، يعرف الزيادة والنقصان إلا بالميزان لم يصدق بهذا الحديث .

ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والدين والآلاف المؤلفة قد ينزع الله البركة منها حتى تكون سببا لهلاك مالكها بحيث يتمنى الإفلاس منها ويراه أصلح له في بعض أحواله فيعرف معنى قولنا إن الخيانة لا تزيد في المال ، والصدقة لا تنقص منه .

والمعنى الثاني الذي لا بد من اعتقاده ليتم له النصح ويتيسر عليه أن يعلم أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا وأن فوائد أموال الدنيا تنقضي بانقضاء العمر وتبقى مظالمها ، وأوزارها فكيف يستجيز العاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والخير كله في سلامة الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم .

وفي لفظ آخر ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم ، فإذا فعلوا ذلك ، وقالوا : لا إله إلا الله ، قال الله تعالى : كذبتم لستم بها صادقين وفي حديث آخر : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة .

قيل : وما إخلاصه ؟ قال : أن يحرزه عما حرم الله .

وقال أيضا :

ما آمن بالقرآن من استحل محارمه

التالي السابق


(الثاني: أن يظهر جميع عيوب السلعة، خفيها وجليها) دقيقها وجليلها (ولا يكتم منها شيئا) مهما أمكن (فذلك) أمر (واجب عليه) شرعا (فإن أخفاه) عن المشتري (كان ظالما) في نفسه (غاشا) له (والغش حرام) على المسلمين بنص الحديث، ومن كثر منه ذلك فهو فاسق، والغش: بالكسر اسم من غشه غشا إذا لم ينصحه، وزين له غير المصلحة، ثم أطلق على خلط الجيد بالرديء، ونظر إلى أصل معنى الغش، قال: (وكان تاركا للنصح في المعاملة، والنصح واجب) بنص الحديث .

(ومهما أظهر) للمشتري (أحسن وجهي الثوب) إذا كان بزازا (وأخفى الباقي) ولم يره إياه (كان غشا) له .

(وكذلك إذا عرض الثياب في المواضع المظلمة) يقال: عرضت المتاع للبيع: أظهرته لذوي الرغبة ليشتروه، وإنما قال: في المواضع المظلمة; لأن عرضها في مثل هذه المواضع لا يبين عيوب الثوب، فيشتريه المشتري ثم يخرج به في المواضع النيرة، فيجده رديئا، فلا يمكنه بعد ذلك رده عليه، وهذا الفعل فاش في التجار، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

(وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف، والنعل، وأمثاله) إذا كان خفافا، أو نعالا، ويؤخر الفرد الآخر الذي به عيب، من ذهاب لون، أو غيره، فإن ذلك داخل في جملة الغش .

(ويدل على تحريم الغش: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل) في السوق (يبيع طعاما فأعجبه) أي: ذلك الطعام (فأدخل يده) فيه (فرأى) في داخله (بللا) وقد ابتلت أصابعه (فقال: ما هذا؟ فقال: أصابته السماء) أي: المطرة (فقال: فهلا جعلته من فوق [ ص: 486 ] الطعام) ؟!

ولفظ القوت: قال: أفلا جعلته فوق الطعام (حتى يراه الناس؟! من غشنا فليس منا) . هكذا هو في القوت. قال العراقي: رواه مسلم، من حديث أبي هريرة، اهـ .

قلت: وعزا السيوطي هذه الجملة إلى الشيخين في الأزهار المتناثرة، وذكر أنه متواتر، وأنه رواه اثنا عشر من الصحابة، وعزاه في الجامع الصغير للترمذي، بلفظ: من غش فليس منا. بدون هذه القصة، وأخرجه الطبراني في الكبير، والصغير، وأبو نعيم في الحلية، من حديث ابن مسعود، بلفظ المصنف، وزاد: والمكر والخداع في النار. وقوله: ليس منا، أي: ليس من متابعينا، قال الطيبي: لم يرد به نفيه عن الإسلام بل نفي خلقه عن أخلاق المسلمين، أي: ليس هو على سنتنا، وطريقتنا في مناصحة الإخوان، اهـ .

وقال صاحب القوت: وفي حديث عبد الله بن أبي ربيعة، أنه صلى الله عليه وسلم، مر على طعام مصبر، فارتاب منه، فأدخل يده، فإذا طعام ممطور، فقال: ما هذا؟ قال هو والله طعام واحد يا رسول الله، قال: فهلا جعلت هذا وحده، وهذا وحده، حتى يأتيك إخوانك فيشترون منك شيئا يعرفونه؟ من غشنا فليس منا. اهـ .

قلت: عبد الله بن أبي ربيعة، مخزومي، له صحبة، وهكذا رواه البيهقي من طريقه، ورواه ابن ماجه، والطبراني، وابن عساكر، عن ابن الحمراء. والحاكم، عن عمير بن سعيد، عن عمه، واسمه: الحارث بن سويد النخعي، ورواه الدارقطني في الأفراد، عن أنس، ورواه الطبراني أيضا، عن أبي موسى، والله أعلم .

(ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب: ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بايع جريرا على الإسلام) وهو جرير بن عبد الله بن جابر السليل البجلي القسري، أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله اليماني، الصحابي، رضي الله عنه، يوسف هذه الأمة، وسيد قومه في زمانه، نزل الكوفة، فابتنى بها دارا في بجيلة، وكان إسلامه في رمضان، سنة عشر، وانتقل من الكوفة إلى ، وبها مات، سنة إحدى وخمسين، وروى له الجماعة (ذهب لينصرف، فجبذ ثوبه) أي: جره إليه (واشترط عليه النصح لكل مسلم، فكان جرير) رضي الله عنه، بعد ذلك (إذا قام إلى السلعة يبيعها، نظر عيوبها، ثم خير) المشتري (وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك، فقيل له: إنك إذا فعلت ذلك لم ينفذ لك البيع، قال: إنا بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم) . هكذا هو في القوت، وهو متفق عليه .

(وكان واثلة بن الأسقع) بن كعب بن عامر بن ليث الليثي، الصحابي، رضي الله عنه، أسلم قبل تبوك، وكان من أهل الصفة، وهو آخر الصحابة موتا بالشام، روى له الجماعة (واقفا) بالكباس بالكوفة (فباع رجل ناقة) له (بثلاثمائة درهم، وغفل واثلة) -رضي الله عنه- (وقد ذهب الرجل بالناقة، فسعى وراءه، وجعل يصيح به، يا هذا، اشتريتها للحم، أو للظهر) ؟ أي: للذبح، أو للركوب (فقال: بل للظهر، فقال: إن بخفها نقبا قد رأيته) أي: رقة، أو تخرق، يقال: نقب الخف نقبا، من حد تعب، إذا رق، ونقب أيضا: تخارق، فهو ناقب (وإنها لا تتابع السير) عليه (فعاد فردها) قال: (فنقصه البائع مائة درهم، وقال لواثلة: يرحمك الله، أفسدت علي بيعي، فقال) واثلة، رضي الله عنه: (إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) . هكذا أورده صاحب القوت .

(وقال) واثلة أيضا: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا يبين ما فيه) أي: من العيوب (ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا ويبينه) . هكذا هو في القوت، وفي لفظ: يبيع شيئا إلا يبين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك. والباقي سواء .

قال العراقي: رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي، اهـ. وهكذا هو في الجامع الكبير للسيوطي.

(فقد فهموا من النصح) أي: من معناه: (أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه) في كل شيء (ولم يعتقدوا ذلك من الفضائل) الزائدة (وزيادة المقامات) التي يحصل بها الترقي إلى الدرجات (بل اعتقدوا أنه) أي: النصح بالمعنى المذكور (من شروط الإسلام) وواجبات الدين (الداخلة تحت بيعتهم، وهذا أمر يشق) ويتعذر (على أكثر الخلق) وقد جعله من واجبات الدين في قوله: إنما النصيحة ثلاثا، ثم سوى بين طبقات الناس فيه، فقال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم. (فلذلك) أي: لتعذره على أكثر الناس (يختارون التخلي) والانزواء (للعبادة) والاشتغال بالله (و) يختارون (الاعتزال عن الناس) ; لئلا يشوش عليه الحال; (لأن القيام بحقوق الله تعالى مع المخالطة) مع الناس (والمعاملة) معهم (مجاهدة) شديدة (لا يقوم بها [ ص: 487 ] إلا الصديقون) فهم الذين يعطون كل ذي حق حقه (ولن يتيسر ذلك) المقام (على العبد إلا بأن يعتقد أمرين) أي: يوطن نفسه عليهما (أحدهما: أن تلبيسه العيوب) وتخليطها، وإخفاءها (وترويجه السلعة) في عين المشترين (لا يزيد في رزقه) الذي قدر له (بل يمحقه ويذهب ببركته، وما يجمعه من مفرقات التلبيسات) في أزمنة متعددة، على سلع مختلفة (يهلكه الله دفعة واحدة) وقد وقع ذلك كثيرا (فقد حكي أن رجلا كان له بقرة) تطلق على الذكر والأنثى، والمراد هنا: الأنثى، بدليل قوله: (يحلبها) في الماعون (و) كان (يخلط بلبنها الماء) بأن كان يجعل الماء في الماعون، ثم يحلب عليه اللبن (ويبيع، فجاء سيل) عظيم (فغرقت البقرة، فقال بعض أولاده: إن تلك المياه المغرقة التي صببناها في اللبن) فيما مضى (اجتمعت دفعة واحدة، وأخذت البقرة) وهذا فيه مبالغة، وفي أثنائها زجر شديد لمن يستعمل التلبيس في بياعاته .

(وقد قال صلى الله عليه وسلم: البيعان) تثنية بيع، فيعل، من باع، بمعنى اشترى، كلين، من لان، واتفق أهل اللغة، على أن باع واشترى من الألفاظ المشتركة، وتسمى حروف الأضداد (إذا صدقا) أي: صدق كل منهما فيما يتعلق به، من ثمن، ومثمن، وصفة مبيع، وغير ذلك (ونصحا) فيما يحتاج إلى بيانه، من نحو عيب، وإخبار بثمن، وغيره (بورك لهما) أي: أعطاهما الله الزيادة، والنمو (في بيعتهما) أي: في صفقتهما (وإذا كذبا) في نحو صفات الثمن، أو المثمن (وكتما) شيئا مما يجب الإخبار به شرعا (نزعت بركة بيعهما) . قيل: هذا يختص بمن وقع منه التدليس، وقيل: عام، فيعود شؤم أحدهما على الآخر، قال العراقي: متفق عليه، من حديث حكيم بن حزام، اهـ .

قلت: وكذا رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، كلهم في البيوع، ولفظهم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما.

(وفي الحديث: يد الله) أي: حفظه، ووقايته، وكلاءته (على الشريكين) يعني: أن كلا منهما في كنف الله، ووقايته فوقهم (ما لم يتخاونا) أي: ما لم يخن أحدهما الآخر، بغش، أو نقص ثمن، ونحوه (فإذا تخاونا رفع يده) أي: كلاءته، ووقايته (عنهما) . هكذا هو في القوت، قال العراقي: رواه أبو داود، والحاكم، من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح الإسناد .

(فإذا لا يزيد مال) في بر، أو بحر (من خيانة) وغش (كما لا ينتقص من) زكاة، أو (صدقة، ومن يعرف الزيادة والنقصان بالميزان) أو الكيل (لا يصدق بهذا الحديث) أي: لا يخطر بباله تصديق معناه، بل يفهمه على سبيل التجوز، ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه فينمو ويزيد (حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة) بالعمارة في الدنيا، والنجاة في الآخرة .

(والآلاف المؤلفة) أي: الكثيرة (قد ينزع الله البركة منها حتى يكون) وبالا وخيما، و (سببا لهلاك ملاكها) وإفساد حاله (بحيث يتمنى الإفلاس منها) وحقيقة الإفلاس: الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر (ويراه أصلح له في بعض أحواله) لا له ولا عليه (فيعرف معنى قولنا) المتقدم: (إن الخيانة لا تزيد في المال، والصدقة لا تنقص منه) وقد وردت في مثل ذلك أخبار صحيحة، تدل لما قاله المصنف .

(والمعنى الثالث الذي لا بد من اعتقاده) أي: عقد القلب عليه (ليتم له النصح) على حقيقته (ويتيسر عليه) أي: يسهل: (أن يعلم) ويتحقق (أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا) وغناها، وأن فوائد أموال الدنيا، أي: النتائج الحاصلة بسببها (تنقضي بانقضاء العمر) وتضمحل (وتبقى مطالبتها، وأوزارها) وأثقالها (فكيف يستجيز العاقل) المتبصر (أن يستبدل الذي هو أدنى) أي: أخس (بالذي هو خير) ؟! كما قال الله تعالى في كتابه العزيز، في معرض التقريع على مثل هؤلاء المستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير (والخير كله سلامة الدين) عن العلل والآفات (وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تزال) كلمة (لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله) أي: غضبه، ومقته (ما لم يؤثروا) أي: يختاروا (صفقة دنياهم على آخرتهم) . [ ص: 488 ] هكذا هو في القوت .

(وفي لفظ آخر) من هذا الحديث: (ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم، فإذا فعلوا ذلك، وقالوا: لا إله إلا الله، قال تعالى: كذبتم لستم بها صادقين) . ولفظ القوت: لستم بصادقين. زاد وفي لفظ آخر: ردت عليهم.

قال العراقي: رواه أبو علي، والبيهقي في الشعب، من حديث أنس، بسند ضعيف، وفي رواية للترمذي الحكيم في النوادر: حتى إذا نزلوا بالمنزل الذي لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهم. الحديث. وللطبراني في الأوسط نحوه، من حديث عائشة، وهو ضعيف أيضا، اهـ .

قلت: وروى ابن النجار، من حديث زيد بن أرقم، بلفظ: لا تزال لا إله إلا الله تحجب غضب الرب عن الناس ما لم يبالوا ما ذهب من دينهم إذا صلحت لهم دنياهم، فإذا قالوا، قيل: كذبتم، لستم من أهلها. (وفي لفظ آخر: من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة) . وهكذا في النسخ كلها، ولعل في العبارة سقطا، فإن صاحب القوت بعد ما أورد الحديث الذي تقدم، ذكر الروايتين، ثم قال: وفي لفظ آخر: ردت عليهم. ثم قال: وروينا في جزء آخر، كأنه مفسر لحديث مجمل: من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة. الحديث. وذلك لأنه حديث مستقل، ولا يقال قولهم وفي لفظ آخر إلا إذا كانت رواية أخرى في ذلك الحديث بعينه، ويكون المخرج واحدا، وهما ليسا كذلك فتأمل (قيل: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزه) أي: تمنعه (عما حرم الله) أي: عن محارمه. ولفظ القوت: أن يهجر ما حرم الله عليه.

قال العراقي: رواه الطبراني في معجمه الكبير، والأوسط، من حديث زيد بن أرقم، بإسناد حسن، اهـ .

قلت: والجملة الأولى من الحديث رواه البزار، والطبراني في الأوسط، من حديث أبي سعيد، والبغوي، والطبراني أيضا في الكبير، من حديث أبي سعيد الخدري، هكذا اقتصروا على هذه الجملة، وروى الحكيم، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، من حديث زيد بن أرقم، الحديث بتمامه، بلفظ: أن تحجزه عن محارم الله. ورواه الخطيب في تاريخه، من حديث أنس، بلفظ: قالوا يا رسول الله: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزكم عن كل ما حرم الله عليكم.

(وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) . هكذا أورده صاحب القوت، ولم يذكره العراقي، وهو موجود في سائر النسخ، قال الطيبي: من استحل ما حرم الله فقد كفر مطلقا; فخص القرآن لعظمته وجلاله، اهـ. والحديث رواه الترمذي، والطبراني في الكبير، والبيهقي في السنن، والبغوي من حديث صهيب وقال الترمذي: إسناده قوي، وكذلك ضعفه البغوي، ورواه عبد بن حميد، من حديث أبي سعيد، ووجدت بخط من نقل عن الحافظ ابن حجر، في هامش المغني، بعد أن استدركه على شيخه العراقي، ما نصه: ليس بحسن، ففي إسناده الهيثم بن جماز ضعيف عن أبي داود، وهو متهم عن زيد، اهـ .




الخدمات العلمية