الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحضور القلب في لحظة بالذكر والذهول عن الله عز وجل مع الاشتغال بالدنيا أيضا قليل الجدوى ، بل حضور القلب مع الله تعالى على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على العبادات بل به تشرف سائر العبادات وهو غاية ثمرة العبادات العملية .

وللذكر أول وآخر ، فأوله يوجب الأنس والحب لله وآخره يوجب الأنس والحب ويصدر عنه، والمطلوب ذلك الأنس والحب فإن المريد في بداية أمره قد يكون متكلفا بصرف قلبه ولسانه عن الوسواس إلى ذكر الله عز وجل فإن وفق للمداومة أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور ولا ينبغي أن يتعجب من هذا فإن من المشاهد في العادات أن تذكر غائبا غير مشاهد بين يدي شخص وتكرر ذكر خصاله عنده فيحبه، وقد يعشق بالوصف وكثرة الذكر، ثم إذا عشق بكثرة الذكر المتكلف أولا صار مضطرا إلى كثرة الذكر آخرا بحيث لا يصبر عنه؛ فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره .

التالي السابق


( وحضور القلب في لحظة مع الذكر) وفي نسخة بالذكر ( والذهول عن الله) -عز وجل- ( مع الاشتغال بالدنيا) أي: بأعراضها المتعلقة بها ( أيضا قليل الجدوى، بل حضور القلب مع الله -عز وجل- على الدوام) في سائر أوقاته ( أو في أكثر الأوقات هو المقدم على العبادات) كلها، وحينئذ يكون حضوره مع الحق ومع الخلق بالنسبة إليه سواء ( بل به تشرف سائر العبادات) لكونه نتيجتها وروحها، وإليه أشار بقوله: ( وذلك هو غاية ثمرة العبادات العملية) بدنية كانت أو مالية أو مركبة منهما .

( وللذكر أول وآخر، فأوله يوجب الأنس) بالمذكور ( والحب) فيه لو تكلفا ( وآخره يوجبه الأنس والحب) تخلقا وانصباغا ( ويصدر عنه) أي: عن مجموع الأنس والحب، وفي نسخة: عنهما ( والمطلوب) الأعظم عند السالكين من الذكر ( هو ذلك الحب والأنس) لا غير، وهذا الحب والأنس يكونان وسيلتين إلى ذكر الروح، وهو غلبة حضور الحق على الحضور مع الخلق، بل إلى ذكر السر، وهو أن لا يكون له حضور مع غير الحق، ولا يكون له خبر عن الكون .

( فإن المريد في بداية الأمر) وأول وضع قدمه في السلوك ( قد يكون متكلفا بصرف قلبه ولسانه عن الوسواس) النفسي والخاطر الشيطاني ( إلى ذكر الله -عز وجل- فإن وفق للمداومة) على هذا التكلف ( أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور) وذهب ذلك التكلف عنه بالكلية، ولكن هذا المقام لا يحصل إلا بالمداومة على ما أشار له مربيه بأن لا يتركه في سائر شؤونه، ومما يعرض له في أثناء ذلك كيفية متخيلة، فليفرضها كالخط المستقيم، فإن تخيل هذا المعنى وشغل الخيال بأمر واحد ممد للجمعية، وقال بعض الأكابر: إذا تغيرت شعرة من بدنك بواسطة الحال، وتأثرت ينبغي لك أن تتبع تلك الشعرة حتى يحصل المعطل، كما قال بعضهم: الشغل هو عدم الشغل، وعدم الشغل هو الشغل .

وسأل الشيخ عبد الكريم اليمني حضرة الولي سعد الدين الكاشغري: ما الذكر؟ قال: قلت: لا إله إلا الله، فقال: ما هذا ذكر، هذا عبادة، قال فقلت له: أفد أنت، فقال: الذكر أن تعلم أنك لا تقدر على وجدانه؛ ولذا قال الجنيد -رحمه الله تعالى-: الصدق هو أن تجلس ساعة متعطلا عن ملاحظة كل شيء .

ثم إن مقصود هذه الطائفة مشاهدة الحق في الذكر كأنه يراك، وملكة الحضور يسمونها مشاهدة وتكون بالقلب .

( ولا ينبغي أن يتعجب من هذا فإن من المشاهد) المحسوس ( في العادات) الظاهرة ( أن يذكر غائب) عن العين ( غير مشاهد) بالبصر ( بين يدي شخص ويكرر ذكر خصاله) الحميدة التي تبعث الذاكر على محبته ( عنده فيحبه) أي: يميل قلبه بالحب إليه ( وقد يعشق) الشيء ويحب ( بالوصف) المتكرر ( وكثرة الذكر) ومن هنا قالوا:


أذني لبعض صفات الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا

( ثم إذا عشق بكثرة الذكر المتكلف أولا) وهواه ومال إليه ( صار مضطرا إلى كثرة الذكر آخرا) من غير اختياره ( بحيث لا يصبر عنه) لحظة؛ لارتسامه في لوح القلب ( فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره) رواه بهذا اللفظ أبو نعيم، ثم الديلمي من حديث مقاتل بن حيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة [ ص: 21 ] مرفوعا، وقد تقدم ذلك .




الخدمات العلمية