الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش .

وهو أن يتقدم إلى البائع بين يدي الراغب المشتري ويطلب السلعة بزيادة وهو لا يريدها ، وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها فهذا إن لم تجر مواطأة مع البائع فهو فعل حرام من صاحبه ، والبيع منعقد وإن جرى مواطأة ففي ثبوت الخيار خلاف والأولى : إثبات الخيار ; لأنه تغرير بفعل يضاهي التغرير في المصراة ، وتلقي الركبان فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد ففعل هذا من الغش الحرام المضاد للنصح الواجب فقد حكي عن رجل من التابعين أنه كان بالبصرة ، وله غلام بالسوس يجهز إليه السكر ، فكتب إليه غلامه إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة ، فاشتر السكر ، قال : فاشترى سكرا كثيرا ، فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا فانصرف إلى منزله فأفكر ، ليلته وقال : ربحت ثلاثين ألفا ، وخسرت نصح رجل من المسلمين ، فلما أصبح غدا إلى بائع السكر فدفع ، إليه ثلاثين ألفا ، وقال : بارك الله لك فيها ، فقال : ومن أين صارت لي ؟! فقال : إني كتمتك حقيقة الحال ، وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت ، فقال : رحمك الله ، قد أعلمتني الآن ، وقد طيبتها لك قال ، فرجع بها إلى منزله ، وتفكر ، وبات ساهرا ، وقال : ما نصحته ، فلعله استحيا مني ، فتركها لي ، فبكر إليه من الغد ، وقال : عافاك الله ، خذ مالك إليك ، فهو أطيب لقلبي فأخذ منه ثلاثين ، ألفا .

فهذه الأخبار في المناهي والحكايات تدل على أنه ليس له أن يغتنم فرصة ، وينتهز غفلة صاحب المتاع ، ويخفي من البائع غلاء السعر أو من ، المشتري تراجع الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالما تاركا للعدل والنصحللمسلمين ومهما باع مرابحة بأن يقول : بعت بما قام علي ، أو بما اشتريته ، فعليه أن يصدق ثم يجب عليه أن يخبر بما حدث بعد العقد من عيب ، أو نقصان ولو اشترى إلى أجل وجب ذكره ولو اشترى مسامحة من صديقه أو ولده يجب ، ذكره .

; لأن المعامل يعول على عادته في الاستقصاء أنه لا ; يترك النظر لنفسه ، فإذا تركه بسبب من الأسباب فيجب إخباره ; إذ الاعتماد فيه على أمانته .

التالي السابق


(ونهى صلى الله عليه وسلم عن النجش) . قال العراقي: متفق عليه من حديث ابن عمر، وأبي هريرة، اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وعند أحمد والشيخين من حديث أبي هريرة: نهى أن يبيع حاضر لباد، وأن يتناجشوا (وهو) أي النجش: بفتح فسكون، ويقال: بالتحريك أيضا (أن يزيد في السلعة بين يدي من يرغب في شرائها وهو لا يريدها، وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها) وفي عبارة أصحابنا: هو أن يسام السلعة بأزيد من ثمنها، وهو لا يريد شراءها، بل ليراه غيره ليقع فيه (فهذا إن لم تجر مواطأة مع البائع فهو فعل حرام من صاحبه، والبيع منعقد) .

قال أصحابنا: وإنما يكره النجش فيما إذا كان الراغب في السلعة يطلبها بمثل ثمنها، وأما إذا طلبها بدون ثمنها فلا بأس بأن يزيد حتى تبلغ قيمتها (وإن جرى مواطأة) مع البائع (ففي ثبوت الخيار خلاف) في المذهب (والأولى: إثبات الخيار; لأنه تغرير فعلي يضاهي التغرير بالمصراة، وتلقي الركبان) وتقدم الكلام على حديث المصراة في كتاب البيوع مفصلا .

(فهذه المناهي) المذكورة، وغيرها، مما لم يذكرها المصنف (تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت) الحاضر (ويكتم عنه أمرا لو علمه لما قدم على العقد) من أصله (ففعل هذا من الغش الحرام) المنهي عنه ، (المضاد للنصح الواجب) المأمور به في المعاملة، وذلك كله منقصة للدين، مخبثة للكسب، فإن أشكل عليه شيء من هذه الأمور لخفائها سأل أهل العلم بالفتيا، فيأخذ عنهم على مذهب الورعين، ورأي المتقين، وليحتط لدينه، ولينظر لنفسه، ولا يغمض في أمر آخرته، فذلك خير وأحسن توفيقا .

(وقد حكي عن رجل من التابعين) ولفظ القوت: وحدثونا عن رجل من التابعين، قلت: وهو يونس بن عبيد البصري، وهو الذي كان له وكيل بالسوس (أنه كان بالبصرة، وله غلام بالسوس) أما البصرة فمدينة مشهورة من مدن العراق، والسوس مدينة أخرى بخراسان، غير التي في المغرب (يجهز إليه السكر، فكتب إليه غلامه أن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة، فاشتر السكر، قال: فاشترى سكرا كثيرا، فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا) من المسلمين (فانصرف إلى منزله، وأفكر ليلته، [ ص: 494 ] فقال: ربحت ثلاثين، وخسرت في نصح رجل من المسلمين، فلما أصبح غدا إلى بائع السكر، فرفع إليه ثلاثين ألفا، وقال: بارك الله لك فيها، فقال: ومن أين صارت لي؟! فقال: إني كتمتك حقيقة الحال، وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت، فقال: رحمك الله، قد أعلمتني الآن، وقد طيبتها لك، فرجع بها إلى منزله، وتفكر، وبات ساهرا، وقال: ما نصحته، فلعله استحيا مني، فتركها إلي، فبكر إليه، وقال: عافاك الله، خذ مالك إليك، فهو أطيب لنفسي، فأخذ منه الثلاثين ألفا) .

ولفظ القوت، بعد قوله: ربح فيه ثلاثين ألفا من المسلمين، قال: ومن أين صارت لي؟! قال لما اشتريت منك السكر لم آت الأمر من وجهه، إن غلامي كتب إلي: أن قصب السكر أصابته آفة، فلم أعلمك ذلك، ولعلك لو علمته لم تكن لتبيعني، قال: رحمك الله، لقد أعلمتني الآن، وقد طيبتها لك، قال: فرجع بها إلى منزله، فبات تلك الليلة ساهرا، وجعل يفكر في ذلك، ويقول: لم آت الأمر من جهته، ولا نصحت مسلما في بيعته، ولعله استحيا مني، فتركها، قال: فبكر إليه من الغد، فقال: خذ مالك عافاك الله، فهو أطيب لقلبي، قال: فدفع إليه ثلاثين ألفا .

(فهذه الأخبار من المناهي تدل على أنه ليس له أن يغتنم فرصة، وينتهز غفلة صاحب المتاع، ويخفي على البائع غلاء السعر، و) يخفي (عن المشتري تراجع الأسعار) أي: رجوعها إلى النقص (فإن فعل) ذلك (كان ظالما) غاشا (تاركا للعدل) الذي هو خير صفات المؤمن (و) تاركا (النصح للمسلمين) المأمور به في المعاملة .

(ومهما باع مرابحة) وذلك إذا سمى لكل قدر من الثمن ربحا (بأن يقول: بعت بما قام علي، أو بما اشتريته، فعليه) حينئذ (أن يصدق) في تسميته (ثم يجب عليه أن يخبر بما حدث بعد العقد من عيب، أو نقصان) ; ليسلم من التغشيش .

(ولو اشترى إلى أجل) مقدر (وجب ذكره) ; ليكون على بصيرة .

(ولو اشترى بمسامحة من صديقه) أو أحد من معارفه (أو ولده، وجب ذكره; لأن العامل معول على عادته) الجارية (في الاستقصاء; لأنه يترك النظر لنفسه، فإذا تركه) أي: النظر لنفسه (بسبب من الأسباب) العارضة (فيجب إخباره; إذ الاعتماد فيه على أمانته) وتدينه .




الخدمات العلمية