الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو قال ) والله ( لا أجامعك ) سنة أو ( إلى سنة ) .

                                                                                                                              [ ص: 169 ] وأراد سنة كاملة أو أطلق أخذا مما مر في الطلاق ( إلا مرة ) وأطلق ( فليس بمول في الحال في الأظهر ) ؛ لأنه لا حنث بوطئه مرة لاستثنائها أو السنة فإن بقي منها عند الحلف مدة الإيلاء فإيلاء وإلا فلا ( فإن وطئ وبقي منها ) أي السنة ( أكثر من أربعة أشهر فمول ) من يومئذ لحنثه به حينئذ فيمتنع منه أو أربعة فأقل فحالف فقط ، وإن لم يطأ حتى مضت السنة انحل الإيلاء ولا كفارة عليه ولا نظر لاقتضاء اللفظ وطأه مرة ؛ لأن القصد منع الزيادة عليها لا إيجادها قيل هذا مخالف لما مر أن الاستثناء من النفي إثبات ورد بأنه لا يخالفه ؛ لأنه ليس المراد بكونه إثباتا أنه إثبات لنقيض الملفوظ بل المراد أنه إثبات لنقيض ما دل عليه الملفوظ به وحينئذ فهو موافق للقاعدة المذكورة ؛ لأنه في هذا المثال وهو المستقبل منع نفسه من الوطء وأخرج المرة فعلى الضعيف أن الثابت بعد الاستثناء نقيض الملفوظ به قبله وهو الوطء إذا لم يطأ المرة يحنث .

                                                                                                                              وعلى الأصح أن الثابت نقيض ما دل عليه لفظه وهو الامتناع ينتفي الامتناع في المرة ويثبت التخيير فيها ويجري ذلك في كل حلف على مستقبل بخلافه على ماض أو حاضر ففي لا وطئت إلا مرة يحنث إذا لم يكن قد وطئها جزما لانتفاء توجبه التخيير لعدم إمكانه فلما لم يحتمل الاستثناء إلا وقوعه خارجا حنث إذا لم يكن كذلك ولهذا جزموا في ليس له علي إلا مائة بلزومها ولم يخرجوه على هذا الخلاف قال البلقيني وقياس ما ذكر أن من حلف لا يشكو غريمه إلا من حاكم الشرع لم يحنث بترك شكواه مطلقا ؛ لأن قصده نفي الشكوى من غير حاكم الشرع لا إيجادها عنده وتبعه أبو زرعة فقال فيمن قيل له بت عندي فقال لا أبيت عندك إلا هذه الليلة ، ميلي إلى عدم الوقوع بترك المبيت عنده ؛ لأن معناه عرفا ليس إثبات المبيت بل إن وجد يكون ليلة فقط ثم استدل بإفتاء شيخه والقاعدة المذكورين وبين التاج السبكي تلك القاعدة بأن لا آكل إلا هذا يتضمن قضيتين الامتناع من أكل غيره ومقابله وهو عدم الامتناع منه فمعنى الأول أمنع نفسي غيره وأخرج هذا من المنع فيصدق بالإقدام عليه وتركه ومعنى الثاني أمنعها غيره وأحملها عليه .

                                                                                                                              والأصح الأول وإنما لم يأت هذا في ليس له إلا مائة ؛ لأنه لا مقابل لنفيها إلا ثبوتها إذ لا واسطة بينهما ثم نازع فيما مر من جريان ذلك في كل مستقبل بأنه قد لا يتأتى في بعض المستقبلات نحو لا يقوم غدا إلا زيد إذ لا بد من قيامه غدا لكن إن كانت الجملة خبرية وإلا لم يتعين قيامه بل يبقى التخيير كما مر فإذن ما ذكر ليس من عموم المستقبلات بل من خصوص الحث أو المنع انتهى .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أو السنة ) عطف على قوله سنة ش . ( قوله قال البلقيني وقياس ما ذكر أن من حلف إلخ ) نظير مسألة البلقيني المذكورة ما لو حلف لا تخرج زوجته إلا بإذنه أو لا يكلم زيدا إلا في شر فإن خرجت بغير إذنه أو كلمه في غير شر حنث وانحلت اليمين أو خرجت بإذنه أو كلمه في شر لم يحنث وانحلت [ ص: 170 ] اليمين م ر وسئل شيخنا الشهاب الرملي عما قاله البلقيني فيمن حلف بالطلاق على صديقه أنه لا يبيت ليلة الجمعة إلا عنده فمضت الجمعة ولم يبت عنده أي ولا عند غيره كما هو ظاهر وإلا فلو بات عند غيره حنث ؛ لأن المبيت عند غيره هو الممنوع منه المحلوف عليه منه بعدم الحنث كما نقله عنه العراقي فأجاب بأن ما قاله البلقيني معتمد ا هـ وهو حينئذ نظير ما ذكر هنا عن البلقيني في مسألة الشكوى ؛ لأن التقدير لا يبيت ليلة الجمعة عند أحد إلا عنده فالغرض والقصد نفي المبيت ليلة الجمعة عند غيره لا إيجاد المبيت ليلة الجمعة عنده فإن قلت ( أحد ) في قولكم لا يبيت ليلة الجمعة عند أحد شامل لنفس المحلوف عليه ؛ لأنه أحد فإذا بات في بيت نفسه فقد بات عند أحد غير الحالف فينبغي الحنث قلت قضية ما قاله البلقيني وأقره العراقي وبين شيخنا الشهاب الرملي أن ذلك معتمد لا التفات إلى ذلك الشمول وكان وجه ذلك أنه لا يراد في العرف العام بأحد في مثل ذلك إلا غير المحلوف عليه هذا هو مقتضى ما قاله هؤلاء الأئمة في هذه المسألة فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله سنة ) إلى قوله قيل في النهاية وكذا في المغني إلا قوله وأراد سنة إلى المتن وقوله وأطلق

                                                                                                                              ( قوله سنة إلخ ) ولو قال السنة بالتعريف اقتضى الحاضرة فإن بقي منها فوق أربعة أشهر بعد وطئه العدد الذي استثناه كان موليا وإلا فلا فلو قال لا أصبتك إن شئت وأراد إن شئت الجماع أو الإيلاء فقالت في الحال شئت صار موليا لوجود الشرط وإن أخرت فلا بخلاف ما لو قال متى شئت أو نحوها فإنه لا يقتضي الفور ولو أراد إن شئت أن لا أجامعك فلا إيلاء إذ معناه لا أجامعك إلا برضاك وهي إذا رضيت فوطئها لم يلزمه شيء وكذا لو أطلق المشيئة حملا لها على مشيئة عدم الجماع ؛ لأنه السابق إلى الفهم ولو قال والله لا أصبتك إلا أن تشائي وأراد التعليق للإيلاء أو الاستثناء عنه فمول ؛ لأنه حلف وعلق رفع اليمين بالمشيئة فإن شاءت الإصابة فورا انحل الإيلاء وإلا فلا ينحل ولو قال والله لا أصبتك متى يشاء فلان فإن شاء الإصابة ولو متراخيا انحلت اليمين وإن لم يشأها صار موليا بموته قبل المشيئة لليأس منها لا بمضي مدة الإيلاء لعدم اليأس من المشيئة ولو قال إن وطئتك فعبدي حر قبله بشهر ومضى شهر صار موليا إذ لو جامعها قبل مضيه لم يحصل العتق لتعذر تقدمه على اللفظ وينحل الإيلاء بذلك الوطء فإن وطئ بعد مضي شهر في مدة الإيلاء أو بعدها وقد باع العبد قبله بشهر انحل الإيلاء لعدم لزوم شيء بالوطء حينئذ [ ص: 169 ] لتقدم البيع على وقت العتق أو مقارنته له وإن باعه قبل أن يجامع بدون شهر من البيع تبين عتقه قبل الوطء بشهر فيتبين بطلان بيعه وفي معنى بيعه كل ما يزيل الملك من موت وهبة وغيرهما ا هـ . ( قوله سنة إلخ ) أي أو يوما أو نحو ذلك ا هـ مغني ( قوله وأطلق ) أي بخلاف ما إذا قصد إيجاد المرة فيلزمه الكفارة إذا لم يطأ حتى مضت السنة أخذا من قوله الآتي ولا نظر إلخ . ( قوله أو السنة ) عطف على قوله سنة ش ا هـ سم أي الذي قدره الشارح عقب لا أجامعك وهذا هو الظاهر وأما قول الرشيدي أنه عطف على قول المتن سنة فمع ظهور عدم صحته بالتأمل يرده ما يأتي عنه آنفا . ( قوله فإن بقي منها إلخ ) لعل الصورة أنه اقتصر على قوله لا أجامعك السنة ولم يأت باستثناء وإن أبى السياق هذا وإلا فسيأتي قريبا أي في النهاية مسألة ما إذا استثنى ا هـ رشيدي أقول بل هذا متعين يدل عليه قوله عند الحلف حيث لم يقل بعد الوطء . ( قوله أو أربعة إلخ ) محترز قول المتن أكثر إلخ وقوله فحالف فقط أي يلزمه الكفارة إذا وطئ وقوله وإن لم يطأ إلخ محترز قوله فإن وطئ . ( قوله ولا نظر إلخ ) جواب سؤال منشؤه قوله ولا كفارة عليه عبارة المغني وهل يلزمه كفارة ؛ لأن اللفظ يقتضي أن يفعل مرة أو لا ؛ لأن المقصود منع الزيادة وجهان أصحهما كما في زوائد الروضة الثاني ا هـ . ( قوله قيل هذا ) أي قوله ولا كفارة عليه ( قوله : لأنه ) أي ما دل عليه الملفوظ به . ( قوله وهو إلخ ) أي والحال أن هذا المثال مستقبل . ( قوله وأخرج ) أي من المنع . ( قوله فعلى الضعيف ) متعلق بيحنث الآتي وقوله أن الثابت إلخ بيان للضعيف وقوله وهو إلخ أي الملفوظ به قبله وقوله يحنث أي فيلزمه كفارة اليمين . ( قوله وعلى الأصح ) متعلق بينتفي الآتي وقوله أن الثابت إلخ بيان للأصح وقوله لفظه أي ما قبل الاستثناء وقوله وهو أي ما دل عليه إلخ الامتناع أي من الوطء . ( قوله ويجري ذلك ) أي الخلاف المذكور . ( قوله بلزومها ) أي المائة . ( قوله ما ذكر ) أي قوله وإن لم يطأ حتى مضت إلخ أو قوله وعلى الأصح إلخ . ( قوله مطلقا ) أي من حاكم الشرع وغيره ( قوله فيمن إلخ ) أي في قول من إلخ فقوله لا أبيت إلخ مقول لهذا المحذوف أو لفظة فقال مقدرة قبل قوله لا أبيت إلخ . ( قوله ميلي إلخ ) مقول أبي زرعة . ( قوله إلى عدم الوقوع ) أي عدم الحنث . ( قوله ثم استدل ) أي أبو زرعة على عدم الوقوع . ( قوله بإفتاء شيخه ) وهو البلقيني

                                                                                                                              ( قوله يتضمن قضيتين ) أي يحتملهما وقوله الامتناع إلخ وقوله ومقابله بدل من قضيتين بدل مفصل من مجمل ( قوله وهو ) أي مقابل الامتناع وقوله منه أي من هذا . ( قوله فمعنى الأول ) أي الامتناع من أكل غيره وقوله ومعنى الثاني أي عدم الامتناع منه وقوله عليه إلخ أي هذا . ( قوله : لأنه لا مقابل لنفيها ) أي المائة أي بخلاف إخراج هذا من المنع فيصدق بالإقدام عليه إلخ فكان المناسب أن يقول لإخراجها من النفي . ( قوله ثم نازع ) أي التاج السبكي . ( قوله خبرية ) أي لا نهيية




                                                                                                                              الخدمات العلمية