الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وعليها ) أي : الأم ( إرضاع ولدها اللبأ ) بالهمز والقصر وهو ما ينزل بعد الولادة ويرجع في مدته لأهل الخبرة وقيل : يقدر بثلاثة أيام وقيل : بسبعة وذلك ؛ لأن النفس لا تعيش بدونه غالبا ومع ذلك لها طلب الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة كما يجب إطعام المضطر بالبدل ( ثم بعده ) أي : إرضاعه اللبأ ( إن لم يوجد إلا هي أو أجنبية وجب إرضاعه ) على من وجدت إبقاء له ، ولها طلب الأجرة ممن تلزمه مؤنته ( وإن وجدتا لم تجبر الأم ) خلية كانت ، أو في نكاح أبيه ، وإن لاق بها إرضاعه لقوله تعالى { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } ( فإن رغبت ) في إرضاعه ولو بأجرة مثل ( وهي منكوحة أبيه ) أي : الطفل ( فله منعها في الأصح ) ليكمل تمتعه بها ( قلت الأصح ليس له منعها ، وصححه الأكثرون والله أعلم ) ؛ لأن فيه إضرارا بالولد لمزيد شفقتها به وصلاح لبنها له فاغتفر لأجل ذلك نقص تمتعه بها إن فرض ؛ لأن فوات كماله لا يشوش أصل العشرة كما هو ظاهر على أن غالب الناس يؤثر فقده تقديما لمصلحة ولده فلم يعتبر النادر في ذلك ، واعترض هذا التصحيح بما لا يلاقيه فاحذره .

                                                                                                                              أما غير منكوحته بأن كانت خلية فإن تبرعت مكنت منه قطعا وإلا فكما في قوله : ( فإن اتفقا ) على أن الأم ترضعه ( وطلبت أجرة مثل ) له وقلنا بالأصح أن للزوج استئجار زوجته لإرضاع ولده لتضمنه رضاه بترك التمتع ، وفرض الكلام في الزوجة للإشارة إلى هذا الخلاف في استئجارها وإلا فحكم الخلية كذلك فاندفع ما قيل : تخصيص الزوجة مع ذكر أصله لغيرها أيضا لا وجه له ( أجيبت ) وكانت أحق به لوفور شفقتها ، ثم إن لم ينقص إرضاعها تمتعه استحقت النفقة أيضا ، وإلا فلا كما لو سافرت لحاجتها بإذنه كذا قالاه واعترضهما الأذرعي بأن ذاك فيما إذا لم يصحبها في سفرها ، وإلا فلها النفقة وهو هنا مصاحبها فلتستحقها ، ويفرق بأن من شأن الرضاع أن يشوش التمتع غالبا فإن وجد ذلك بحيث فات به كمال التمكين سقطت ، وإلا فلا فلم ينظروا هنا للمصاحبة وخرج بطلبها ما لو أرضعته ساكتة فلا أجرة لها ؛ لأنها متبرعة بخلاف ما إذا طلبت فإنها من حين الطلب تستحق الأجرة [ ص: 351 ] وإن لم تجب لما طلبته ( أو ) طلبت ( فوقها ) أي : أجرة المثل ( فلا ) تلزمه الإجابة لتضرره ( وكذا ) لا تلزمه الإجابة هنا إلا في الحضانة الثابتة للأم كما بحثه أبو زرعة ( إن ) رضيت الأم بأجرة المثل ، أو بأقل كما هو ظاهر و ( تبرعت أجنبية ، أو رضيت بأقل ) مما طلبته الأم ( في الأظهر ) لإضراره ببذل ما طلبته حينئذ ، ومحله إن استمرأ الولد لبن الأجنبية ، وإلا أجيبت الأم وإن طلبت أجرة المثل حذرا من إضرار الرضيع ، وبحث الأذرعي أن محله أيضا في ولد حر ، وزوجة حرة ففي ولد رقيق ، وأم حرة للزوج منعها كما لو كان الولد من غيره ، وفي رقيقة وولد حر ، أو رقيق قد يقال : من وافقه السيد منهما أجيب ويحتمل خلافه انتهى .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ويفرق بأن من شأن الرضاع إلخ ) ويؤخذ من هذا الفرق أن المزوجة لو خرجت في البلد بإذنه لصناعة لها لم تسقط [ ص: 351 ] نفقتها بخلاف سفرها بإذنه لحاجته لتمكنه عادة من استرجاعها دون المسافرة ، ولا يخالفه ما في كلامهما في العدد أنها لو خرجت لإرضاع بإذنه في البلد سقطت م ر ( قوله : وإن لم تجب إلخ ) قد يستشكل فيما إذا لم يسلمه لها بل استقلت بأخذه ، وإرضاعه فليراجع ( قوله : كما بحثه أبو زرعة ) سيأتي تنظير الشارح فيه في شرح قول المصنف في الحضانة وإن كان رضيعا اشترط أن ترضعه على الصحيح ( قوله في المتن : وكذا إن تبرعت أجنبية ، أو رضيت بأقل ) قال في الروض وشرحه : ولو ادعى وجودها أي : المتبرعة ، أو الراضية بما ذكر ، وأنكرت هي صدق بيمينه ؛ لأنها تدعي عليه أجرة والأصل عدمها ولأنه يعسر عليه إقامة البينة . ا هـ .

                                                                                                                              وإن طلبت أجرة المثل بقي ما لو لم ترض إلا بالأكثر ( قوله : أجيب ) فيه نظر إذا طلبت الأم الإرضاع المنقص للاستمتاع وأبى الزوج ووافقها السيد



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن وعليها إرضاع ولدها إلخ ) فلو امتنعت من إرضاعه ومات فالذي ذكره ابن أبي شريف عدم الضمان ؛ لأنه لم يحصل منها فعل يحال عليه سبب الهلاك قياسا على ما لو أمسك الطعام عن المضطر واعتمده شيخنا الزيادي ا هـ .

                                                                                                                              . ع ش وهل ترثه ، أو لا ؟ فيه نظر فليراجع عناني ، والظاهر أنها ترثه ؛ لأنها غير قاتلة ا هـ .

                                                                                                                              بجيرمي ( قوله : بالهمز ) إلى قول المتن ، والوارثان في النهاية إلا قوله : بخلاف ما إذا طلبت ( قوله : بعد الولادة ) أي : عقبها ع ش و سم ورشيدي ( قوله : ويرجع في مدته لأهل الخبرة ) فإن قالوا يكفيه مرة بلا ضرر يلحقه كفت وإلا عمل بقولهم أسنى ومغني ( قوله : غالبا ) إنما قيد به ؛ لأنه شوهد كثير من النساء يمتن عقب ولادتهن ويرضع الولد غير أمه ويعيش ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : ممن تلزمه إلخ ) عبارة المغني من ماله إن كان وإلا فمن تلزمه نفقته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : خلية كانت ، أو في نكاح أبيه ) عبارة المغني وإن كانت في نكاح أبيه ا هـ . وهي أخصر وأعم ( قوله : { وإن تعاسرتم } ) أي : تضايقتم في الإرضاع فامتنع الأب من الأجرة ، والأم من فعله فسترضع له أي : للأب أخرى ولا تكره الأم على إرضاعه ا هـ .

                                                                                                                              . حلبي ( قوله : إن فرض ) أي النقص ( قوله : يؤثر فقده ) أي : يختار فقد التمتع ( قوله : بأن كانت خلية ) أي : أما إذا كانت منكوحة للغير فله أي : الأب المنع ؛ لأن له منع ولده من دخول دار الزوج وإن رضي كما سيأتي في الفصل الآتي ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي عبارة المغني ، وأفهم قوله : أبيه أنها إذا كانت منكوحة غير أبيه أن له منعها وهو كذلك إلا أن تكون مستأجرة للإرضاع قبل نكاحه فليس له منعها كما قال ابن الرفعة ولا نفقة لها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإلا فحكم الخلية كذلك ) أي : كما قدمه قبيل المتن ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي ( قوله : فاندفع ما قيل إلخ ) عبارة المغني تنبيه ذكر المصنف حكم المنكوحة وسكت عن المفارقة وصرح في المحرر بالتسوية فحذف المصنف له لا وجه له كما قاله ابن شهبة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لغيرها ) أي : للخلية ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي ( قوله : ثم إن لم ينقص إرضاعها إلخ ) ظاهر هذا السياق أن هذا التفصيل لا يأتي فيما لو لم تأخذ أجرة وأنها تستحق حينئذ النفقة مطلقا فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي ( قوله : ويفرق بأن إلخ ) ومن هذا الفرق يؤخذ ما أفتيت به من أن الزوجة لو خرجت في البلدة بإذنه لصناعة لها لم تسقط نفقتها بخلاف سفرها بإذنه لحاجتها لتمكنه عادة من استرجاعها دون المسافرة ولا يخالفه ما في كلامهما في العدد من أنها لو خرجت لإرضاع بإذنه في البلدة سقطت شرح م ر ا هـ .

                                                                                                                              سم قال ع ش : ولعل وجه عدم المخالفة أن مسألة الإرضاع مصورة بما لو آجرت نفسها للإرضاع بإذنه وخرجت فإنه لا يتمكن من عودها لاستحقاق منفعتها للمستأجر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فإن وجدت ذلك بحيث إلخ ) معتمد ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : فلا أجرة لها ) أي وإن كان سكوتها لجهلها بجواز طلب الأجرة وينبغي وجوب إعلامها [ ص: 351 ] باستحقاق الأجرة كما قيل بمثله في وجوب الإعلام بالمتعة وقياسه وجوب الإعلام بكل ما لا تعلم بحكمه المرأة ولكنها تباشره للزوج على عادة النساء كالطبخ وغسل الثياب ونحوهما ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : وإن لم تجب إلخ ) قد يستشكل فيما إذا لم يسلمه لها بل استقلت بأخذه وإرضاعه فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              سم وقد يقال : أن إيجاب الشرع إجابتها ينزل منزلة تسليمه لها ( قوله : إلا في الحضانة ) سيأتي إن شاء الله تعالى عن الإمداد خلافه وعبارة النهاية كما بحثه العراقي ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر عبارة الرشيدي قوله : إلا في الحضانة الثابتة للأم إلخ صريح هذا السياق أنه لا تسقط حضانتها إذا طلبت عليها أجرة المثل وإن تبرعت بها أجنبية ، أو رضيت بدونها وأنها لا تسقط إلا إذا طلبت أكثر من أجرة المثل وأنه لا تلازم بين الإرضاع ، والحضانة فقد ينزع منها لأجل الإرضاع ويعاد إليها للحضانة وسيأتي في كلامه في الباب الآتي ما يخالفه والشهاب ابن حج لما ذكر هذا الاستثناء هنا ختمه بقوله : على ما بحثه أبو زرعة فتبرأ منه ، ثم جزم فيما يأتي بخلافه فلم تقع في كلامه مخالفة بخلاف الشارح ا هـ .

                                                                                                                              . ( قول المتن وتبرعت أجنبية ) أي : صالحة نهاية أي : بأن لم تكن فاسقة ولم يحصل للولد ضرر بتربيتها له ع ش ( قول المتن ، أو رضيت بأقل ) أي : مما لا يتغابن به عادة ا هـ .

                                                                                                                              . ع ش ( قول المتن في الأظهر ) وعليه فلو ادعى الأب وجود متبرعة ، أو راضية بما ذكر وأنكرت الأم صدق في ذلك بيمينه ؛ لأنها تدعي عليه أجرة ، والأصل عدمها ؛ ولأنه يشق عليه إقامة البينة وتجب الأجرة في مال الطفل فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته نهاية وروض مع الأسنى ( قوله : ومحله ) أي : الخلاف ا هـ نهاية ( قوله : إذا استمرأ الولد إلخ ) أي : بأن كان لا يؤذيه ويحصل له به نمو كنموه بلبن أمه ا هـ .

                                                                                                                              . ع ش ( قوله : وإن طلبت أجرة المثل ) بقي ما لو لم ترض إلا بأكثر ا هـ .

                                                                                                                              سم أقول قضية إطلاق قول المصنف ، أو فوقها فلا عدم لزوم إجابتها حينئذ بقي ما إذا لحق الضرر للولد بلبن الأجنبية ولا يبعد حينئذ لزوم إجابة الأم مطلقا أخذا من إطلاق ما قدمه في شرح ، ( ثم بعده إن لم يوجد إلخ ) فليراجع وليتأمل ( قوله : ففي ولد رقيق إلخ ) أي : كما لو أوصى بأولاد أمته ، ثم مات وأعتقها الوارث ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : وفي رقيقة ) أي : أم رقيقة ( قوله : منهما ) أي : الزوج ، والأم ا هـ .

                                                                                                                              . ع ش ( قوله : أجيب ) فيه نظر إذا طلبت الأم الإرضاع المنقص للاستمتاع وأبى الزوج ووافقها السيد ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قوله : ويحتمل خلافه إلخ ) ، والأول أقرب ا هـ .

                                                                                                                              نهاية




                                                                                                                              الخدمات العلمية