الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو ألقاه في ماء مغرق ) لا يمكنه التخلص منه فقده ملتزم قتل فقط لقطعه أثر الإلقاء أو حربي فلا قود على الملقي لما مر آنفا أو ( فالتقمه حوت ) قبل وصوله للماء أو بعده ولم يفرقوا بين علم ضراوته وعدمها ؛ لأنه إذا التقم فإنما يلتقم بطبعه فلا يكون إلا ضاريا ( وجب القصاص في الأظهر ) وإن جهله ؛ لأن الإلقاء حينئذ يغلب عنه الهلاك فلا نظر للمهلك كما لو ألقاه ببئر فيها سكاكين منصوبة لا يعلمها بخلاف ما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين لا يعلمها فعليه دية شبه عمد وفيما إذا اقتص من الملقي فقذف الحوت من ابتلعه حيا لا يمنع وقوع القصاص موقعه كما قد يؤخذ من كلامهم فيما لو قلع من مثغور فقلعت سنه ثم عادت تلك إلا أن يفرق بأن العائد هنا عين الملقى وثم بدل المقلوع وشتان ما بينهما [ ص: 388 ] وحينئذ يحتمل وجوب دية المقتول كما لو شهدت بينة بموجب قود فقتل ثم بان المشهود بقتله حيا بجامع أنه في كل قتل بحجة شرعية ثم بان خلافها إلا أن يفرق بأن المقتول هنا لا تقصير منه ألبتة وفي مسألتنا فعله الذي قصد به هو السبب في قتله فناسب إهداره ثم رأيت بعض المحققين بحث هذا وقاسه على ما لو قتل مسلما ظنه كافرا بشرطه الآتي أي فإن هذا كما أهدر نفسه بفعله ما أوجب قتله فكذلك الملقي في مسألتنا ( أو غير مغرق ) فإن أمكنه الخلاص منه ولو بسباحة فالتقمه ( فلا ) قود بل دية شبه عمد ما لم يعلم أن به حوتا يلتقم ولم يتوان الملقى مع قدرته حتى التقمه وإلا فهدر كما هو ظاهر مما مر وإلا فالقود كما لو ألقمه إياه مطلقا

                                                                                                                              ( تنبيه ) فصلوا هنا بين علمه بحوت يلتقم وعدمه وأطلقوا في الإلقاء في نحو المغرق وقالوا فيمن ضرب من جهل مرضه ضربا يقتل المريض فقط أنه عمد وكان الفرق أن المهلك في نفسه وهو الأخيران ونحوهما يعد فاعله قاتلا بما يقتل غالبا وإن جهل بخلاف المهلك في حالة دون أخرى لا يعد كذلك إلا إن علم ومر في علم الجوع السابق ويأتي قبيل ولا يقتل شريك مخطئ ما يؤيد ذلك فإن قلت يأتي في قوله وإن قتل السم وعلم وفي شرحه ما يخالف ذلك قلت ممنوع ؛ لأن ذاك فيه بناء فعل الإنسان على فعل غيره فاشترك علمه به فهو نظير ما مر في مسألة التجويع بخلاف ما هنا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : لا يمكنه التخلص ) أي ولو بسباحة بالنسبة للالتقام أخذا من المقابلة في قوله الآتي ولو بسباحة انظره ( قوله أيضا لا يمكنه التخلص منه ) ومن باب أولى إذا كان يمكنه التخلص كما هو ظاهر أي أنه يقتل الملتزم القاد المذكور ، وإنما قيد بعدم إمكان التخلص ؛ لأنه الذي يتوهم معه ضمان الملقى حتى يحتاج إلى نفيه فتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : كما لو ألقاه ببئر ) أي يهلك الإلقاء فيها غالبا وإلا فدية شبه العمد أخذا مما بعدها إذ الإلقاء الذي لا يهلك غالبا كالدفع الخفيف المذكور ( قوله وفيما إذا اقتص من الملقي فقذف الحوت من ابتلعه حيا إلخ ) الذي أفتى به شيخنا الشهاب الرملي هنا وجوب [ ص: 388 ] دية الملقى على الولي في ماله لا على عاقلته وبقي ما لو استمر بعد قذف الحوت له متألما بتأثير الابتلاع إلى أن مات ويبعد حينئذ أن يقول يقع قتل الملقي قصاصا لأنه يلزم أن يسبق القصاص موت المجني عليه فيحتمل أن تجب ديته في تركة الملقي كما وجب على وليه دية الملقى فليتأمل ( قوله : وقاسه إلخ ) قد يفرق بأن الولي تبين تقصيره ؛ لأن العفو كان مندوبا بخلاف قاتل من ظنه كافرا بدار الحرب لم يتبين تقصيره إذ ترك القتل لم يكن مندوبا فليتأمل وأيضا الكفر المظنون بدار الحرب يقتضي إهداره لذاته لكل أحد ولا كذلك ما نحن فيه ( قوله : فإن أمكنه ) الظاهر بأن أمكنه ( قوله : فإن أمكنه الخلاص منه ولو بسباحة ) هذا صريح في شمول غير المغرق لما يكون مغرقا في نفسه لكن يمكن الخلاص منه بالسباحة وفي أن الإلقاء في هذا القسم مع التقام الحوت يفصل فيه بين العلم بالحوت وعدمه فليراجع فإنه لا يخلو عن إشكال ؛ لأن المغرق في نفسه وإن أمكن الخلاص منه بالسباحة معدن الحوت فالقياس القود بالتقامه وإن جهله حيث لا تقصير من الملقى بالفتح ثم رأيت م ر تبعه في ذلك فأوردت هذا الإشكال عليه فاعترف به وضرب على قوله ولو بسباحة .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لا يمكنه التخلص منه إلخ ) ومن باب أولى إذا كان يمكنه التخلص كما هو ظاهر أي أنه يقتل الملتزم القاد المذكور ، وإنما قيد بعدم إمكان التخلص ؛ لأنه الذي يتوهم معه ضمان الملقي حتى يحتاج إلى نفيه فتأمل سم ( قوله : فقده ) أي مثلا وقوله ملتزم أي للأحكام وقوله على الملقي أي ولا على الحربي أيضا ع ش ( قوله : لما مر إلخ ) أي لقطعه أثر الإلقاء ( قوله : قبل وصوله ) إلى قوله وفيما إذا اقتص في المغني إلا قوله ولم يفرقوا إلى المتن ( قوله وإن جهله ) أي جهل الملقي الحوت ع ش ( قوله حينئذ ) أي حين كون الماء مغرقا ( قوله فقذف الحوت إلخ ) جملة فعلية عطف على مدخول إذا ويحتمل أنه مبتدأ خبره قوله : لا يمنع إلخ ( قوله : من ابتلعه ) مفعول القذف ( قوله لا يمنع إلخ ) الذي أفتى به شيخنا الشهاب الرملي هنا وجوب دية [ ص: 388 ] الملقى على الولي في ماله لا على عاقلته م ر سم ( قوله : وحينئذ يحتمل إلخ ) جزم به النهاية عبارته ، ولو اقتص من الملقي فقذف الحوت من ابتلعه سالما وجبت دية المقتول على المقتص دية عمد في ماله ولا قصاص للشبهة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : هنا ) أي في مسألة الشهادة ( قوله : بفعله إلخ ) وهو الإلقاء ( قوله وقاسه إلخ ) نازع فيه سم بالفرق بينهما راجعه ( قوله : الملقي ) بكسر القاف ( قوله فإن أمكنه ) إلى التنبيه في النهاية إلا قوله ولم يتوان إلى وإلا فالقود .

                                                                                                                              ( قوله : ولو بسباحة ) هذا صريح في شمول غير المغرق لما يكون مغرقا في نفسه لكن يمكن الخلاص منه بالسباحة وفي أن الإلقاء في هذا القسم مع التقام الحوت يفصل فيه بين العلم بالحوت وعدمه فليراجع فإن المغرق في نفسه معدن الحوت فالقياس القود بالتقامه وإن جهله حيث لا تقصير من الملقى بالفتح ثم رأيت م ر تبعه في ذلك فأوردت الإشكال عليه فاعترف به وضرب على قوله ، ولو بسباحة سم ولكنه الآن ثابت فيما أطلعناه من نسخ النهاية وأن صنيع المغني كالصريح فيما مال إليه سم ، وكذا كلام الشارح الآتي في التنبيه كالصريح في ذلك ( قوله : فلا قود ) إلى التنبيه في المغني إلا قوله ولم يتوان إلى وإلا فالقود ( قوله : ما لم يعلم إلخ ) ، ولو ادعى الولي علم الملقي بالحوت وأنكره صدق الملقي بيمينه ؛ لأن الأصل عدم العلم وعدم الضمان ع ش ( قوله : ولم يتوان ) أي لم يتكاسل كردي ( قوله : الملقى ) بالفتح ( قوله : وإلا ) أي بأن توانى ( قوله مما مر ) أي من قول المصنف وإن أمكنته فتركها إلخ وقال الكردي أي في شرح ، ولو ترك المجروح إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإلا ) أي وإن علم أن فيه حوتا يلتقم مغني ( قوله كما لو ألقمه إلخ ) أي فعليه القود ع ش ( قوله : مطلقا ) أي سواء توانى أم لا كردي وفيه نظر ظاهر بل المراد سواء كان يلتقم أم لا وفي الماء أم لا ( قوله : هنا ) أي في الإلقاء في غير المغرق ( قوله : وقالوا إلخ ) عطف على وأطلقوا إلخ ( قوله : الأخيران ) وهما الإلقاء في نحو المغرق وضرب المريض ( قوله ويأتي إلخ ) أي في آخر فصل في شروط القود .




                                                                                                                              الخدمات العلمية