الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم مع كل فريق من أهل الاتحاد المطلق والمعين فريقا ثانيا يقولون بالحلول ، أما الحلول المطلق -وهو قول من يقول : إن الحق حال في الأماكن كلها- فهذا كفر قديم في الأمة من كفر الجهمية الذين كان السلف ينكرون قولهم ، وهم الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان ؛ فإن هؤلاء الحلولية إخوان هؤلاء الاتحادية . أولئك قالوا : هو في جميع المصنوعات ، وهؤلاء قالوا : هو نفس المصنوعات .

وهؤلاء الاتحادية المطلقة والحلولية المطلقة إنما أوقعهم في ذلك عدم إثباتهم لما جاءت به الرسل من رب العالمين ، الذي فوق الخلق ، الذي استوى على العرش ، فإنهم تجهموا في أنه ليس فوق العالم ولا داخله ولا خارجه ونحو ذلك من الصفات السلبية التي رأوها منطبقة على الوجود المطلق ، وهم عباد لا بد لقلوبهم من شيء تعبده ، فلم يجدوا ما يطابق هذه السلوب إلا وجود المخلوقات .

وأما المتكلمة الجهمية فإنهم في العلم والكلام . . . . . . ، والعلم يتناول الموجود والمعدوم ، فإذا وصفوه بهذه السلوب وكانت إنما تطابق المعدوم لم يضرهم إذا كان الذي أثبتوه معدوما ، فإنهم لا يعبدون شيئا ، كما أخبر السلف بذلك عنهم . فمتكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا ، [ ص: 137 ] ومتعبدتهم يعبدون كل شيء .

ولقد كان في مبدأ دولة التتار : ابن الخطيب متكلم المعطلة والجهمية والزنادقة ، وابن العربي متصوفهم وعارفهم ، فاتفقا على جحد رب العالمين الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل ، وإن كانوا قد أقروا بما ظنوا أنه هو ، وحاروا فيه ، فإن الحيرة ظاهرة عليهم ، لما هم فيه من التناقض . واختلفا بعد ذلك . فالأول أثبت العالم لكن بالكلام الباطل ، والثاني لم يثبت العالم لكن بالعقل الفاسد .

فتدبر هذا واجمعه مع ما قدمته من القواعد يتبين لك الأمر . والله أعلم .

وكذلك أهل الحلول الخاص إخوان أهل الاتحاد الخاص ، كما افترقت النصارى في المسيح ، فإن النسطورية قالوا بحلول اللاهوت في الناسوت ، واليعقوبية قالوا باتحاد اللاهوت والناسوت ، والملكانية قالوا بالاتحاد من وجه دون وجه . الأولون شبهوه بالماء في الإناء ، والآخرون شبهوه بالماء واللبن ، والملكانية شبهوه بالنار في الحديد ، فقالوا : هما جوهر واحد وأقنومان .

ثم هؤلاء أهل الاتحاد المخصوص يحتاجون أن يقولوا : إن الرب والعبد اتحدا بعد أن كانا اثنين ، وأن اللاهوت اتحد أو امتزج أو اختلط أو اتصل بالناسوت بعد أن لم يكن كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية