الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو قال : أقرضتك هذا الرطل على أن ترد رطلين لم يجز ، سواء [ ص: 314 ] أجل القرض أو أطلقه وكان حالا ، فيجب إذا قال : بعتك هذا الرطل برطلين إلى أجل أن لا يجوز ؛ لأن هذا هو معنى القرض بزيادة . وكل قرض جر زيادة بالشرط لم يجز باتفاقهم ، وهو الربا الذي يجمع فيه الفضل والنساء ، كبيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل ، فهذا الذي لا ريب في تحريمه ، وإن احتال عليه بأي حيلة كانت ، متى كان المقصود أخذ الدراهم بأكثر منها إلى أجل فهو ربا .

ولهذا قال ابن عباس ، وهو لا يحرم ربا الفضل يدا بيد ، قال : إذا استقمت بنقد ثم بعت بنقد فلا بأس ، وإذا استقمت بنقد ثم بعت بنسيئة فتلك دراهم بدراهم . واستقمت بمعنى قومت ، بمعنى قوم السلعة بنقد وابتاعها بأكثر إلى أجل ، كان مقصوده القيمة ، وهو بيع دراهم بدراهم .

فإن قيل : فلو باع رطلا برطلين جاز ، ولا يجوز مثل هذا في القرض .

قيل : القرض لا يكون قط مع تعجيل الوفاء ، بل لا بد فيه من تأخير الوفاء ، وإلا فلا يقول : أقرضني هذه الدراهم وأعطيك مثلها الساعة ، فإن هذا لا يفعله عاقل ؛ إذ لا فائدة فيه ، بل هو كبيع الشيء بنفسه .

فإن قيل : تلك الدراهم تقوم مقامها ، فلا تباع بمثلها إلا مع التأخير ، ولا تباع بدراهم معجلة إلا لاختلاف الصفة . والقرض إنما يجب فيه المثل ، فلا يبيع أحد رطلين برطلين كل منهما مثل ذلك الرطل ، هذا لا يفعله أحد عاقل ، ولا يقع مثل هذا في القرض ؛ إذ كان القرض لا بد فيه [ ص: 315 ] من تأخير الإيفاء ، وذلك واجب فيه في أحد قولي العلماء ، ولو أجله بأجل ، كمذهب مالك وقول في مذهب أحمد .

ومن قال : إن له المطالبة في الحال ولا يتأجل ، قالوا : لأن هذا تبرع ، والتبرع لا يلزم بالعقد ، كما قالوا مثل ذلك في الهبة والعارية . وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين . وأما أهل المدينة فعندهم يلزم بالعقد ، وعليه تدل نصوص الكتاب والسنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية