الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فإذا باعوه قبل القبض بربح فقد يندم البائع أو يستقيل أو يسعى في فسخ العقد ، فإذا صار في قبضة التاجر أمن من ذلك ، ولم يكتف في الصبرة إلا بنقلها إلى رحالهم . وأما غير التاجر فإنه إنما [ ص: 307 ] يشتري الشيء لينتفع به ، لا يشتريه للتجارة ، وإن بدا له فيما بعد أن يبيعه لم يقصد أن يبيعه بربح ، وإن قصد ذلك فهو تاجر . والنهي إنما كان لمن يربح في السلعة ، وهو التاجر في أحد القولين .

ولهذا جوز مالك فيه الشركة والتولية قبل القبض ، فإنه لا ربح فيه ، بل هو يبيعه بمثل الثمن ، كأخذ الشفيع الشفعة بمثل الثمن ، وكذلك جوز بيعه من صاحبه بمثل الثمن قبل القبض .

وهذا هو الصحيح ، فإن النهي إنما كان للتاجر الذي يربح ، فلا يبيع بربح حتى يصير في حوزته ، ويعمل فيها عملا من أعمال التجارة ، إما بنقلها إلى مكان آخر ، كالذي يشتري في بلد ويبيع في آخر ، وإما حبسها إلى وقت آخر . وأقل ما يكون قبضها ، فإن القبض عمل ، فأما مجرد التخلية في المنقول فليس فيها عمل . وهل تكون التخلية قبضا في المنقول ؟ فيه روايتان عن أحمد ، إحداهما : [تكون] قبضا ، كقول أبي حنيفة .

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ، ولا تبع ما ليس عندك . قال الترمذي : حديث صحيح . ولما سأله ابن عمر أنهم يبيعون بالبقيع بالذهب ويقبضون الورق ، ويبيعون بالورق ويقبضون الذهب ، فقال : «لا بأس إذا كان بسعر يومه » . فلم يجوز بيع الدين ممن هو عليه بربح ، [ ص: 308 ] فإنه يربح فيما لم يضمن ، فإنه لم يقبضه ولم يصر في ضمانه ، والربح إنما يكون للتاجر الذي نفع الناس بتجارته ، فأخذ الربح بإزاء نفعه ، فلم يأكل أموال الناس بالباطل . ولهذا لما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء :29] ، وهذا استثناء منقطع ، فإن ربح التجارة ليس أكلا بالباطل ، بل بحق ، وهو نفع التاجر للناس ، فإذا كان له دين وباعه من المدين بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل ، إذا كان لم يضمن الدين ولم يعمل فيه عملا .

التالي السابق


الخدمات العلمية