الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 154 ] فنفي العلم من وجه وإثباته من وجه حق ، وعلى هذا فيصح إثبات علم التأويل للراسخين من وجه ونفيه من وجه ، فيصح الوقفان .

وقال تعالى : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم [التوبة :101] ، ومعلوم أنه قد أعلمهم بنوعهم ووصفهم وأنهم من أهل المدينة والأعراب ، لكن لا تعلم أعيانهم . وقال تعالى : قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب [الأنعام :50] ، نفى قوله أنه يعلم الغيب المطلق ، وإن كان الله قد أعلمه مما غاب عن غيره شيئا كثيرا . وقال تعالى : فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول [الجن :26 - 27] ، وكذلك قوله : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [النمل :65] ، وقوله : تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [سبأ :14] .

وقد قال يعقوب ليوسف : وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث [يوسف :6] ، وقال : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي [يوسف :37] ، أي قبل أن يأتي التأويل ، وقال أولئك : وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين [يوسف :44] ، ومعلوم التأويل قبل مجيئه ، وإنما علمه بالوصف كما يعلم بالوصف [ ص: 155 ] تأويل القرآن المذكور في قوله : هل ينظرون إلا تأويله ، ألا ترى أن كيفية الحدث المدركة بالعيان لم تكن معلومة بمجرد الخبر ، فإن المخبر ليس . . . . . .

والتأويل في خبر ابن عباس المراد به تأويل الأمر والنهي ، كما قال ابن عباس : السنة تأويل الأمر والنهي . فإن الخطاب نوعان : إخبار وإنشاء ، فالإنشاء كالأمر والنهي والتحليل والتحريم يعلم العلماء تأويله وتفسيره ، إذ لا بد من فعل المأمور به وترك المنهي عنه ، وذلك لا يكون إلا بعد علمه ، بل لا بد من علم المأمور به مفصلا .

ومن هذا قول عائشة : كان يقول في ركوعه وسجوده : «سبحانك اللهم وبحمدك » يتأول القرآن . فقد يقال : اللام في التأويل للتأويل المعهود ، وهو تأويل الأمر ، وعلى هذا أيضا قد يحمل قول جابر في حديث صفة الحج الذي في مسلم ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك » ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته . [ ص: 156 ]

فقوله : «وهو يعرف تأويله » يشبه قوله : «وعلمه التأويل » ، إذ قد يقال : ظاهرهما العموم وقد يدعى الاختصاص بالأمر والنهي وقد خالفه التأويل . وهو مثل حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا الآية [الأنعام :65] ، قال : «إنها كائنة ، ولم يأت تأويلها بعد » . لكن ليس فيه أنه كان يعلم هذا التأويل .

لكن يقال : الخبر عما كان في الدنيا مثل قصص الأنبياء ومن آمن بهم ممن لديهم علم تأويلها العلماء ، إذ لم يبق لها مخبر آخر يجيء فينتظر ، وإن لم يعلم معاينة فله نظير علم منتظر ، وكذلك ما سيكون في الدنيا من حوادث فإن علم تأويلها قبل كونه مثل علم تأويل تلك بعد كونه . . . . . الأمور الحاضرة ، والخبر عن الملائكة والجن والنار ، فهذا من الخبر عما سيكون .

التالي السابق


الخدمات العلمية