الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله سبحانه وتعالى : وكفى بالله وكيلا [النساء :81] ، وكفى بالله حسيبا [النساء :6] ونظائره ، فهذا ليس بزائد ، بل هو متضمن فائدة بديعة ، وذلك أن العرب تقول : كفيته الشيء ، فعل متعد ، ولم يجئ عنهم : كفيت به ، ويقولون : اكتفيت به ، فهذا لازم ، ولم يقولوا : اكتفيته .

ثم قالوا : كفى بزيد رجلا ، فتضمن معنى فعلين ، أي : كفى زيدا ما يشتمل عليه ويحوطه فاكتفى به ، فأتى بكفى المتعدي ، وأتى بالباء الدالة على الفعل اللازم ، فأفاد هذا التركيب معنى الفعلين معا ، أي : كفى واكتفى ، فاكتفى به أحدهما بصريحه والآخر بالحرف الدال عليه ؛ ولهذا المعنى انتصب وكيلا ، وحسيبا ، وهاديا ، ونصيرا ، على التمييز أو الحال ، والتمييز أحسن ، وهذا من أسرار لغتهم التي لا يهتدي [إليها] إلا كل روحاني الذهن ، لطيف الفهم ، سلس القياد ، يفهم المسائل [على تعدد أنواعها] في قوالب ألفاظها .

ونظير هذا : عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا [الإنسان :6] ، في تشبيه معنى فعلين ؛ أحدهما : بصريحه ، والثاني : بحرفه المقتضي له ، فكأنه في معنى يشرب ويروي بها ، وهذا كثير في القرآن والكلام الفصيح .

وأما قوله تعالى : وما من إله إلا الله [آل عمران :62] ، وقوله تعالى : [ ص: 349 ]

هل من خالق غير الله [فاطر :3] ، ففيه فائدة ، وهي استغراق النفي ؛ لأن حرف «من » للجنس ، فإذا سلط النفي عليه مع مجروره أفاد استغراق النفي للجنس صريحا ؛ ولهذا لا يجوز أن يقابله بثبوت أكثر من واحد .

فلو قلت : [ما] من درهم عندي بل درهمان ، كنت [مبطلا] لاغيا .

ولو قلت : ما عندي درهم بل دراهم ، لم يكن ذلك محالا وكان كلاما عربيا .

فبدخول «من » يتعين استغراق النفي صريحا فلا يحتمل تأويلا ، وبدونها غايته أن يكون ظاهرا لا يناقضه إثبات المتعدد ، ولا ريب أن هذه فائدة جليلة زائدة على النفي الخالي من هذا الحرف .

وأيضا فقد قال سيبويه : ما من رجل في الدار ، كأنه جواب لقول من قال : هل من رجل في الدار ؟ فدخول «من » هنا يتطابق الجواب والسؤال ، والله [سبحانه] وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية