الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم اتفق الناس على تحريم ربا الفضل في الأعيان الستة التي جاءت بها الأحاديث ، وهي من أفراد مسلم من حديث عبادة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا حيث شئتم إذا كان يدا بيد » . [ ص: 285 ]

وتنازعوا فيما سوى ذلك على أقوال :

فطائفة لم تحرم ربا الفضل في غيرها ، وهذا مأثور عن قتادة ، وهو قول أهل الظاهر ، وابن عقيل في آخر مصنفاته رجح هذا القول مع كونه يقول بالقياس ، قال : لأن علل القياس في مسألة الربا علل ضعيفة ، وإذا لم يظهر فيه علة امتنع القياس .

وطائفة حرمته في كل مكيل وموزون ، كما روي عن عمار بن ياسر ، وبه أخذ أحمد بن حنبل في المشهور عنه ، وهو قول أبي حنيفة وغيره .

وطائفة حرمته في الطعام وإن لم يكن مكيلا وموزونا ، كقول الشافعي وأحمد في رواية .

وطائفة لم تحرمه إلا في المطعوم إذا كان مكيلا أو موزونا ، وهذا قول سعيد بن المسيب والشافعي في قول وأحمد في الرواية الثالثة ، اختارها الشيخ أبو محمد ، وهو قريب من قول مالك : القوت وما يصلح القوت . وهذا القول أرجح الأقوال .

وقد حكي عن بعض المتأخرين أنه يحرم في جميع الأموال ، لكن هذا ما علمت به قائلا من المتقدمين .

فنقول : أما الدراهم والدنانير فالعلة فيهما الثمن ، بدليل أنه يجوز [ ص: 286 ] إسلافها في الموزونات من النحاس وغيره ، ولو كان الربا جاريا في النحاس لم يبع موزون بموزون إلى أجل ، كما لا يباع تمر بحنطة ودراهم بدنانير إلى أجل ، وهم يسلمون أن هذا خلاف القياس ، والعلة إذا انتقضت من غير فرق علم أنها علة باطلة . وأيضا فالتعليل بكونه موزونا أو مطعوما علل ليس فيها ما يوجب الحكم ، بل طرد محض ، كما بسط في غير هذا الموضع .

ولكن الدراهم والدنانير هي أثمان المبيعات ، والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال ، فيجب أن يكون محدودا مضبوطا ، لا ترفع قيمته ولا تنخفض ؛ إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات ، بل الجميع سلع ، والحاجة إلى أن يكون للناس ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة عامة ، فإنه قد يحتاج إلى بيع ثمن بغير إذن صاحبه ، فلا يباع إلا بثمن المثل ، كتقويم الشقص على من أعتق نصيبه . والناس يشترون بالسعر شراء عاما ، فإن لم يكن سعر لم يعرف ما لبعضهم عند بعض ، وقد يقومون بينهم عروضا وغيرها ممن لا تعدل فيه الأنصباء إلا بالقيمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية