الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            - ما المعرفة؟

            المعرفة هي الإدراك والوعي بالشيء وفهمه، ويمكن أن تكون بمعنى الحقيقة.. والمعرفة ضد الإنكار والجـحود، ومن ذلك العرفان، مجازاة الصـنيع بما يستحق.. والمعرفة حاصلة بعد عدم، وذلك العدم إما لجهل أصلي بالشيء أو لنسيان بعد معرفة.. والمعرفة علم بعين الشيء مفصلا عما سواه، قال تعالى: فعرفهم وهم له منكرون (يوسف:58).. والمعرفة يتوصل إليها بعد تفكر وتدبر، لذلك نقول: عرفت الله، قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم (البقرة:146).. والمعارف هي خبرات متراكمة مجتمعة وفكرا كليا، أما العلم فهو تنظيم هذه الخبرات وجعلها على نسق ونظام.

            ويقصد بالمعرفة بصورة عامة: ذلك الشكل من المعلومات والنتائج والاستنتاجات حول الظواهر الطبيعية والاجتماعية وغير ذلك [1] .

            وربما كانت المعرفة فيها تضمين للإدراك الروحي الإنساني والعلم المستبطن بالقلب، ويظهر هذا جليا لدى الصوفية، فأول المعرفة، كما لدى بعضهم، معرفة الله، ثم معرفة عدو الله، ثم معرفة النفس، وأخيرا معرفة العمل لله تبارك وتعالى.. فإدراك الله عز وجل يكون بتعرف المسلم على أن الله على علم [ ص: 8 ] بحاله، قادر عليه، وعلى إدراك أن الله قريب منه وحفيظ وغير ذلك من المعاني، التي يجب على المسلم فهمها في صلته بالله، فكأن تحسس هذه القيم واستلهامها وسبرها هو المعرفة لدى هذا الصوفي [2] .

            وتتضخم فكرة المعرفة، فتستحيل إلى نظرية فلسفية متداخلة متشعبة لها جذور وقواعد وتفريعات، فنظرية المعرفة الفلسفية تهتم بالبحث في طبيعة المعرفة الإنسانية، ومصادر المعرفة، وتبحث كذلك في طبيعة الحياة العقلية، وموضوعاتها ومباحثها تتداخل مع بقية المباحث الفلسفية، كما أنها تتداخل مع بعض العلوم الأخرى.. وموضوعات المعرفة ربما تضمنت معرفة الأشخاص والأماكن، ومعرفة الوقائع، ثم اكتساب المهارات اليدوية والذهنية، التي يصل إليها الإنسان بالتدريب والمران [3] .

            وتتجه النظـرية الأفلاطـونية في توصـيف المعرفة على أنها: الإحسـاس أو الإدراك الحسي، وهي الحكم الصادق أو الاعتقاد الصادق المصحوب بأساس وتبرير لهذا الاعتقاد [4] .

            وفكرة المعرفة، كما أشرنا، مرتبطة بمنظور فلسفي يتضمن أصول المشكلات الفلسفية.. وتأتي أسئلة فلسفة التاريخ في إطار المشكلات [ ص: 9 ] الفلسـفية، التي تتميز بقدر من الثبات، الذي لا يمكن أن يتمثل أو يتصـور في أي من فروع العلوم الأخرى، فمشكلات العلوم إلى حد بعيد متغيرة عبر الزمان والمكان، أما أسئلة الفلسفة فتكاد تكون ثابتة، إذا استثنينا إضافة مباحث فلسفية جديدة كالبحث في القيم أو الجمال، من آن إلى آخر، فالموقف الطبيعي هو العنصر الثابت في الفلسفة [5] .

            ويرى بعض الباحثين أن المنظورين الإسلامي والوضعي متفقان حول توصـيف المعرفة بأنها: كيان من الحقائـق المنظمة والمفسـرة للكون والخلق والتي يدركها الإنسان بالعقل واعتماد منهجية محكمة.. وينبع هذا المفهوم بطبيعة الحال من المنظور القرآني والذي ربما يختلف في بعض الأحيان عن بعض المفاهيم الموجودة لدى بعض أتباع المذاهب الإسلامية [6] .

            وأردنا بالمعرفة التاريخية هنا: إدراك التاريخ في معناه العام، وصورته الكلية، والوعي به، حدثا وسببا وآثارا وسننا ووقائع ودلالات وتنبؤا وفهما وعلة ورؤية.

            وأصول المعرفة التاريخية، تعني الأسس والقواعد، التي يقوم عليها فهم التاريخ وصورته وقوانينه وحتميته الإلهية، وهو كيفيات معالجة التاريخ وأنماط عرضه وطرز بثه وإيصاله للعلم، وهو مناحي استيعاب الواقعة التاريخية وقيمتها والغاية منها وعلى أي فلسفة أو رؤية تقوم.

            [ ص: 10 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية