الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            2-5 الخطاب القرآني من منظور تفسيري معاصر:

            ظهرت بعض الأطروحات المعاصرة في محاولات تفسير وتحليل الخطاب القرآني، فاتجه بعض الباحثين المعاصرين إلى وضع أسس نظرية لتحليل ودراسة الخطاب القرآني وفقا لمناهج حديثة، بعضها غربي، وبعضها مستفاد من الخطاب القرآني ذاته، من مقاصديته ومراميه العامة، ومن استخدم المناهج الغربية الحديثة عمد إلى الإفادة من علوم حديثة نحو الألسنيات، بغرض الكشف عن البنية اللغوية وشبكة التوصيل المعنوية والدلالية التي يقوم عليها، فنتج عن ذلك قراءات معاصرة حول الخطاب القرآني، مثل قراءات محمد أركون ومحمد حاج حمد وآخرون[1] .

            [ ص: 74 ] أما الاتجاهات المعاصرة في فهم الخطاب القرآني من مرجعية قرآنية مقاصدية فنجدها في كتابات حسن عبد الله الترابي، ضمن التفسير التوحيدي [2] .

            ويرى إبراهيم زين أن التوحيد، الذي نثير الحديث عنه هنا - لأول وهلة- يقصد به أساس العقيدة الإسلامية وهي وحدانية الله عز وجل، بحسـبانها أهم قضايا الاعتقاد في الإسـلام والعلوم، التي ارتبطت بشأن التعبير عنها، مثل ما عرف باسم الفقه الأكبر، أو علم الكلام، أو أصول الدين، أو علم التوحيد، لكن ما قام به الترابي في مشروعه الفكري هو محاولة لبيان هذه القاعدة الكلية بوصـفه موقفا ميتافيزيقيا أوليا، ومن ثم فهم الظاهرة الدينية إجمالا، وبيان مفاصلها ومعالمها، وأبعادها في الرسالة الخاتمة، كما تجسدت في القرآن الكريم.

            فهذا الفهم الكلي للرسالة الخاتمة عند الترابي جعله يمضي لأن يجد قاعدة كلية شاملة توحد بين المتفرقات وتجمع بين الدين في إطلالة وابتلاءات التدين وتعدد أشكال التعبير عنه من ناحية ثانية، ويقع ذلك في تصور حسن الترابي وفق قاعدة التفسير التوحيدي ومنهجه اللذين بهما عصمة من الوقوع في مزالق الشرك التصوري والعملي.

            [ ص: 75 ] ففهم التوحيد هنا لا يعني فقط إثبات وحدانية الله سـبحانه وتعالى، وإنما تحويل معنى الوحدانية إلى نهج شامل في النظر إلى المتفرقات والأشتات في مستوى الوجود الإنساني والكوني والحيوي، والمظاهر التي يتجلى فيها الوجود الإنساني في مستواه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفني والثقافي.. ولئن كانت هذه المستويات هي مظاهر للتدين، فإن الدين الحق يربط بينها وفق قاعدة التفسير التوحيدي [3] .

            ويعتقد أحد الباحثين أن أول ما ظهر من تفسير ما يمكن تسميته بالتفسير الموروث أو التقليدي، وهو يعتمد على نسق معرفي وثقافي لا تدخله أية معارف خارجية جديدة، وبالتالي فإن تصوراته فيما دون المستوى العقدي تعود إلى التاريخ بصراعاته وخلافاته.

            ثم ظهر بعد ذلك ما يمكن تسميته بالتفسير العصري والذي ولد بتأثير استعارة من نتائج المعرفة الغربية الحديثة، أما القراءة المعاصرة فهي شيء جديد كليا على مستوى الأدوات والمناهج، ويظهر في هذا الجانب محمد شحرور ضمن الذين قالوا بالقراءة المعاصرة للخطاب القرآني.. كما حاول أركون كذلك [ ص: 76 ] في سعيه لتقديم هذه القراءة المعاصرة حول القرآن إلى تطبيق المنهجية التاريخية في فهم القرآن، للنظر في العلاقة بين الوحي والتاريخ [4] .

            ومن الواضح أن اتجاهات أركون تلك، وحتى آراء شحرور، تجد مراجعات مختلفة حول مدى صحتها وارتباطها بالفهم المتسق مع الروح العلمية الإسلامية السائدة في فهم الخطاب القرآني.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية