الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            3-2 التاريخ في الخطاب القرآني:

            تضـمن الخطاب القرآني مسـتويات ومناحي في فهم الناحية التاريخية، ومن أبرز هذه المعالم:

            اتجه القرآن إلى عرض الوقائع والأحداث التاريخية، من أجل استخلاص العبر والسنن التاريخية التي تحكم المجتمع والتاريخ الإنساني، وقد استخدم القرآن عدة أساليب في عرضها من بينها: الأسلوب القصصي مثل قصص الأنبياء ودعوتهم ومعجزاتهم وموقف المعاندين لهم ومراحل الدعوة، وقصص الحوادث الغابرة والشخصيات والغزوات والوقائع المعاصرة لفترة النبي صلى الله عليه وسلم. كما تحدث القرآن عن بداية التاريخ الإنساني الواردة في سورة (البقرة) ابتداء من قوله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (البقرة:30).

            وبالنسبة للبعد الزمني فإن القرآن يتحدث عن أزمنة متنوعة، التي من بينها زمان الوجود الدنيوي أو الحياة القائمة للإنسـان وهو زمان قصير عبر حياة فانية هي مرحلة اختبار وامتحـان، قال تعالى: فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل (التوبة:38) ، إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض (يـونـس:24) ، قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا (الأنـعام:130) ، وزمن الموت، قال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا (الملك:2) ، وهو زمان غير محدد وعلمه من الغيبيات، ثم زمان الحياة الباقية، [ ص: 87 ] وهي الحياة الآخروية، عند المعاد، قال تعالى: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار (غافر:39) [1] .

            ترد لفظة «أيام الله» تعبيرا عن مفهوم التاريخ في العرض القرآني الحكيم، وتلك الأيام هي أحد مصادر المعرفة التي أبرزها القرآن وركز عليها، واهتم بعرضها نظرا لما تقدمه من أسلوب إقناع، وللتدليل والتمثيل، كما أن بها ربطا في ذهنية المطلع، لواقع لم يشهده أو يعرفه ولكن يمكن أن يدركه عن طريق النظر والفهم والإخبار والخطاب، وفيه تقوية وتعضيد لروح الخطاب القرآني وصفته، من حيث الدعوة إلى إعمـال التـفكر والتـدبر، وتحريـك الفـؤاد وشغله بمدارسة ما كان عند السابقين من أحوال وشؤون وأحداث، جاء ذكر أيام الله في قوله تعالى: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (إبراهيم:5).

            ولكي يؤكد القرآن هذا المعنى فإنه دائب الإشارة إلى الأمم السـالفة، داعيا إلى الاعتبار بتجارب البشر وماضيهم، قال تعالى: قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (آل عمران:137) ، وقال تعالى: إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين (آل عمران:140).

            [ ص: 88 ] إن عناية القرآن بالتاريخ، بوصفه مصدرا للوعي الإنساني، يذهب إلى أكثر من مجرد الإشارة إلى قيم أو معان تاريخية، وإنما يتجه القرآن إلى تقديم نقد تاريخي للأحداث، ودعوة إلى المعاينة والتحقق من صدق الرواة وعلمهم وبيان مدى اطلاعهم، وعدم قبول الرواية التـاريخية على عـلاتها، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (الحجرات:6).. أما في تفسير التاريخ، فإن القرآن يناقش مبدأ الصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال (الرعد:11) [2] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية