الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مقدمة

            في أصول المعرفة التاريخية

            في ضوء القرآن الكريم

            مقدمات وإشارات

            - القرآن الكريم:

            القرآن الكريم هو كلام الله الثابت، المتحقق، المدرك لدينا عن طريق التواتر القطعي الورود، وهو كذلك مصدر المعرفة الاستثنائية والوعي النوعي لدى كل مسلم، وهو أهم مصدر للمعاني الإيمانية المتقدمة لأمة الإسلام، فمعين القرآن لا ينضب، وبحره ممتد يقصده المؤمن في أي وجهة فيجده ذاخرا ملآنا فينهل من خيره الوفير.

            والقرآن كتاب هداية وإرشاد في المقام الأول، يرسم لأتباعه الخطا، وينير لهم الطريق، ويسلك بهم مسالك الخير والصلاح.. وهو دستورهم وقائدهم الرشيد، إليه يحتكمون وإليه يرجعون وبه يقتضون.. هو كذلك مصدر إلهامهم [ ص: 5 ] ووعيهم، استقوا منه عشرات العلوم والمعاني.. هو أيضا مصدر التغيير في روح الأمة وفكرها وعطائها وثقافتها ولغتها.

            ولـما أصاب العرب منه ومن معانيه تجددت حياتهم وتبدلت أحوالهم، ونشطت عقولهم وأدمغتهم نحو العلم ونحو المعرفة، يأخذونها من كل مصدر يلتمس فيه النفع، وعلمهم مسـارب الصدمة الأولى والدهشة المحركة للتعلم، ثم أمرهم بالتفقه والإدراك والفهم واستيعاب معاني النظر والتأمل والتدبر والتفكر، ورتب وعيهم الكلي وإدراكهم الجمعي وإبصارهم النظري الناقد، وثقفهم بخلق العلم والتعلم.

            كما أصاب منه العجم من الأمم والشعوب، التي عمر الله قلوبها بالإيمان والتقوى، فزادهم يقينا وهدى واستبصارا، ووجههم نحو العلوم، علميها وعمليها، فقام لديهم عقل تجريبي يستند إلى الحقائق ويترقى بالرقائق، ويؤمن بالتطور وبالغيب وبالنفس وما فيها من غموض وتركيب، فطورت العلوم بجهد إسلامي مميز، ونقحت الأفكار، وذللت السبل للفتح الإنساني المتجلي.

            إن القرآن الكريم ليس كتاب عقائد فحسب، أو شرائع فقط، بل هو أكثر استيعابا من ذلك، هو روح هذه الأمة في فهمها وسعيها ووعيها وشأنها الحاضر والمستقبلي.

            ولقد ظلت الشعوب الإسلامية تحافظ على تراثها القرآني بشتى السبل والوسائل المتاحة لديها، حفظا واستيعابا وفهما وإلماما، فكان السابقون يحفظون متنه ويعلمونه أبناءهم في مدارس وكتاتيب تقليدية بأساليب ابتدائية [ ص: 6 ] بسيطة، ثم تطورت هذه المدارس إلى جامعات في العصور الإسلامية الزاهرة فبرز الشراح والمفسرون المتأخرون، الذين استندوا إلى آراء المتقدمين وعنوا بها، وصاروا يستخرجون المعاني والصور والمفاهيم الطريفة والقديمة إلى وقتنا المعاصر حيث أصبحت العناية بالقرآن مدارس ومذاهب وطرائق واتجاهات شتى.

            وقد أتصور أن مناحي اللجوء إلى القرآن لاستحداث النظريات منه واستنباط الأطروحات الفكرية هو باب من أبواب حفظ القرآن، وهو طور بسيط من أوجه العناية بالقرآن والاحتفاء به، وهو شأن إلهي حين تكفل رب العالمين بالحفاظ على آيات الذكر الحكيم.. ومن صور الحفظ تصاعد ألوان العناية بالقرآن وتعددها واختلاف صورها.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية