الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خطاب التاريخ.. ضمن الخطاب القرآني

            1- تمهيد: الفكر الحضاري عند المؤرخين المسلمين:

            في الواقع، فإن جملة الكتاب المسـلمين ومن بينهم المؤرخون، متأثرون على نحو ما بالمعاني الهائلة، التي تضمنتها آيات الكتاب الحكيم، وإذا ما رجعنا إلى قول ابن خـلدون، الذي أشـرنا إليه من قبل: «اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سـيرهم، والملوك في دولهم وسـياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا» [1] ، نلحظ من هذا الاقتباس أن التاريخ عند ابن خلدون يخدم الأغراض الدينية والدنيوية على حد سـواء، وهو لا يعقد خصـومة بين أمرين، قال ابن خلدون ذلك وهو بلا شك متأثر بالقرآن أشد الأثر، عارف بفوائده على المعرفة والعلوم.

            [ ص: 58 ] إن الكتابة التاريخية تطورت عند المسلمين تأثرا بالقرآن الكريم وما فيه من قصص وإشارات ودلالات تاريخية ومعان وصور تشرح التاريخ وتعبر عنه وتصف الأحداث.. ويرى سالم أحمد محل أن الكتابة التاريخية تطورت عند المسلمين لتتخذ أبعادا أخرى، وبمنهجية تقوم دراستها على طريقتين: عمودية، وأفقية.

            ويقصد بالطريقة العمودية: أن المؤرخ يبتدئ التاريخ منذ الخليقة، أو منذ الميلاد، أو ظهور الإسلام، حتى ينتهي بعصره، وهي طريقة، كما نرى، لها بداية وتنتهي بنهاية، قد تكون عصر المؤرخ، أو يتوقف عند فترة قد تكون سابقة لعصره، على أن المهم فيها أنها طريقة تصـاعدية في تناول حوادث التـاريخ، مثل المؤرخ المغربي الناصري في سلسلة كتبه التاريخية «الاستقصا»، التي تناول فيها حقبة تاريخية تمتد من مولد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهد الحسن الأول، تاريخ الدولة العلوية بالمغرب.

            من المؤرخين العرب يذكر المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجـوهر»، والديـنوري في كتـابه «الأخبـار الطوال»، والطـبري، وابن الأثير في «الكامل في التاريخ».

            أما الطريقة الأفقية، فهي التي تقوم دراستها بشكل يتوزع على المكان أكثر من توزعه على الزمان، بعبارة أخرى، هي تدرس شرائح منتخبة من الناس، موزعة على المجتمع العربي الإسلامي في امتداداته العرضية في ديار الإسلام، خاصة في دراسات بعض الجغرافيين العرب؛ مثل ابن حوقل في كتابه «صورة الأرض»، وابن بطوطة «تحفة النظار»، وصاحب «المسالك [ ص: 59 ] والممالك».. وحينما نصل إلى القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي، تكون الكتابة في علم التاريخ قد بلغت أوجها لدى ابن الخطيب العلامة الموسوعي، وابن خلدون صاحب فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع [2] .

            إن القرآن الكريم أضاء للمؤرخين الطريق في مسيرة علم التاريخ العربي الإسلامي عبر عدة أبعاد:

            1- فكرة المصـير في القرآن الكريم وأثرها في الوعي الحضـاري؛ يعني: هذا التاريخ الإنسـاني لا ينتهي بالنهاية المحزنة، التي يطويها العدم، وإنما تسـتمر في عالم آخر بعد الموت.

            2- البعد الحضـاري في القرآن الكريم، ويتجلى في فـكرة الاسـتخلاف في الأرض، الذي ينطوي على دعامتين، هما: الإيمان بالله والعمل الصالح، وتجنب كل ما هو من شأنه الإفساد في الأرض؛ يقول تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم (النور:55).

            3- أخبار الأمم الماضـية في القرآن الكريم، وأثرها في الوعي التـاريخي عند العرب المسلمين:

            [ ص: 60 ] قص القرآن أخبار بعض الأمم السابقة لرسالة الإسلام المحمدية، مثل أمم نوح، وإبراهيم، وعاد، وموسى...: واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين (الشعراء:69 –71).

            4- وحدة الرسـالات السـماوية، كما جاء في القرآن الكريم، وأثـرها في الوعي التاريخي [3] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية