الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            3-4 السنن الإلهية في التاريخ استنادا على القصص القرآني:

            3-4/1 تعريف السنة لغة واصطلاحا:

            هناك اختلاف في معنى لفظة «سنة» و«سنن» متفاوت لدى العلماء والعلوم التي يكتبون فيها.

            فالسنة لغة: مأخوذة من «سن»، ولها أصل واحد مطرد، وهو جريان الشـيء واطراده في سـهولة ويسر، «والأصـل فيه الطريقة والسيرة». وجاء [ ص: 96 ] في التعريفات أن السنة في اللغة هي: «الطريقة، مرضية كانت أو غير مرضية».. قبيحة أو حسنة [1] .

            وفي «النهاية» لأبن الأثير: «والأصل في هذا اللفظ الطريقة والسـيرة، وفي حديث المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» [2] ، أي خذوهم على طريقتهم وأجروهم في قبول الجزية منهم مجراهم» [3] .

            وعند «الفـيروز آبادي»: الأصـل فيها الطريقـة والسـيرة، ومنـه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة...» [4] ، أي طريقة حسنة.. وسنة النبي صلى الله عليه وسلم طريقته التي كان يتحراها [5] ..

            قال لبيد:

            من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامها

            [6]

            [ ص: 97 ] أي هم من معشر سنت لهم آباؤهم سنة تحتذى [7] .

            وفي التوقيف أن «السـنة بالضم طريقة المصطفى، التي كان يتحراها، وسـنة الله طريقة حكمته، وطريقة طاعته، ذكره الراغب، وقال ابن الكمال: السـنة لغة الطريقة، مرضية كانت أو لا، وشرعا الطريقة المسـلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب.. والسنة هي: الطريقة المستقيمة والمثال المتبع..

            أما السنن اصطلاحا، فلها علاقة واضحة بالمعنى اللغوي، والمراد بها اصطلاحا هنا: «ما سنه الله في الأمم من وقائعه، وأصل السنن جمع سنة: وهي الطريقة المستقيمة»..

            والسنة هي العادة، التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره الأول؛ ولهذا أمر بالاعتبـار وقال: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (يوسف:111).

            والاعتبار أن يقرن الشيء بمثله فيعلم أن حكمه مثل حكمه، كما قال ابن عباس: هلا اعتبرتم الأصابع بالأسنان؟ فإذا قال تعالى: فاعتبروا يا أولي الأبصار (الحشر:2) ، وقال تعالى: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب (يوسف:111) أفاد أن من عمل مثل أعمالهم جوزي [ ص: 98 ] مثل جزائهم؛ ليحذر أن يعمل مثل أعمال الكفار، وليرغب في أن يعمل مثل أعمال المؤمنين، أتباع الأنبياء.

            أما سنة الله تعالى فهي: طريقة حكمته الجارية مع الأسباب المقتضية لمسبباتها، كما قدرها وأجراها، وهي عادته بمقتضى حكمه [8] .

            والسنن هي قوانين الكون وناموسه، الذي يسير حياة البشر تبعا لإرادة الله الكاملة، فإن ما جرى في سابق العهود من هذه السنن يجري في الحاضر.

            ويمكن أن نختار من بيـن التعاريف المتعددة للسنن أنها: «منهج الله تعالى في تسيير هذا الكون، وعمارته، وحكمه، وعادة الله في سير الحياة الإنسانية، وعادته في إثابة الطائعين وعقاب المخالفين طبق قضائه الأزلي على مقتضى حكمته وعدله».

            ولعل هذا التعريف يصف منهج الله تعالى في تسييره لأمـور الخلق، وأن هذا المنهج يطبق وفق علم الله تعالى وحكمته دون أن يلزم الله تعالى بشيء، ولكن هذا المنهج يعتبر علامات كلية يستنير بها المسلم في حياته ليكون على بينة ونور.

            ويرى عبد الكريم زيدان في كتابه «السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد»، أن السنن الإلهية هي: «الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر، [ ص: 99 ] بناء على سلوكهم وأفعالهم وموقفهـم من شرع الله وأنبيائه، وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة» [9] .

            ويتضح من هذا أن كتـب اللغة وأهل التفسير توافقوا على أن السنة هي الطريقة، فإذا ما أضيف إليها لفظ الجلالة لتصبح سنة الله، صار معناها طريقة الله تعالى، ويخلص من ذلك أن سنة الله تعالى أي طريقته سبحانه في تسيير أمور الكون وفق قانون عام، فيه معنى التماثل في النتائج إذا تماثلت المقدمات.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية