الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            2-3: طبيعة وحقيقة الخطاب القرآني:

            الخطاب القرآني خطاب إلهي معجز، وهو رسالة إبلاغيه ربانية عالمية لكل البشر، أنزله الله تعالى على نبيه: ليكون للعالمين نذيرا (الفرقان:1) ، [ ص: 68 ] هذه الرسالة الخالدة هي رسالة سرمدية خاتمة للرسالات، وهي صالحة لكل زمان ومكان، قال محمد الغزالي:

            خطاب القرآن خطاب عالمي، ورسالته خاتمة، وله بعد في الزمان الماضي والحـاضـر والمسـتقبل، وله بـعد في المكـان بحيـث يشـتمل العـالم كله [1] .. قال تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (الأعراف:158).

            فالرسـالة القرآنية لا تختص بقـوم أو أرض معينة بل هي للناس جميعا، في مشارق الأرض ومغاربها، بما تضمنته من قوانين تناسب تطور البشرية.. ولعل مجيء القرآن بصيغة العموم والشمول دليل آخر على امتداد الرسالة وسعتها وعدم محدوديتها وعالميتها.

            إن من أكبر خصـائص القـرآن ومزاياه، التي هي دون معجـزاته وآياته، هي أنه علم قطعي يقيني جـازم، قال تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه (البقرة:2) ، وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (يونس:37) ، ... وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (فصلت:41-42).

            [ ص: 69 ] إن هـذه الخصيـصـة ينـفرد بها القـرآن، عن سـائر كـلام النـاس، ذلك أن مصدر هذا القرآن هو علم الله، الذي يعلم الغيب والشهود، ومصدر نزول القرآن هو الوحي الإلهي، وهو مصدر بريء من كل نقص أو خلل، أو شك أو ظن أو تخمين، أو تعارض واختلاف، قال تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء:82) ، ولا يعتريه الخطأ، ولا يعترضه النسيان، قال تعالى: قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (طه:52).

            القرآن كذلك، واضـح كل الوضـوح، محـكم كل الإحكام، وهو مبين في كليات الدين وأصوله وأسسه ومبادئه وفي جميع الأمور التي تمس حاجة الإنسـان في فلاح دنياه وسعادته فيها وفي نجاته وسـعادته الآخـروية، قـال تعالى: أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا (الأنعام:114).

            والقرآن فارق بين الحق والباطل، والخير والشر، والنور والضلال، قال تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (الفرقان:1).

            والقرآن مصدر للكتب السماوية السابقة، ومهيمن عليها، فالكتب السابقة كانت مؤقتة بزمن محدود، وبقيت إلى زمن محدود، والقرآن هو كتاب [ ص: 70 ] الله الأخير والصحيفة الأبدية، قال تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه (المائدة:48) [2] .

            ومن خصائص القرآن كذلك، أن في اتباع هداه أمنا وسكينة وبعدا عن الفزع والخوف، قال تعالى: فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (البقرة:38).

            والقـرآن كتاب مصـون بحفظ الله، قائـم متشـح بالحق، قال الله تعالى: وبالحق أنزلناه وبالحق نزل (الإسراء:105) ، وقال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر:9) [3] .

            ومن خصائص أسلوب القرآن في خطابه، تصويره للمعنى، فالقرآن يظهر معانيه بكلمات تكاد تجعلها بصورة المحسوس المدرك، فلا تكلف الذهن مشقة تركيبها أو تثقله بمهمة تجميعها، وأساليب القرآن متنوعة متعددة، تميز نظمه ووقعه، وتظهر جودة سبكه وإحكام سرده واتحاد معناه، وجمعه بين الإجمال والبيان وإيجاز لفظه مع الوفاء بالمعنى [4] .

            [ ص: 71 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية